القاهرة - نشوة أحمد
أمثال الشعوب التي تتحدث عن المرأة لا تعد ولا تحصى، ولكن السيئ منها والذي يدين المرأة ويحط من قدرها هو الذي يطفو على سطح الشهرة وتتناقله الألسن، وفي البلاد العربية تتشابه الأمثال في مضمونها وتختلف في أمكنتها لتشابه الثقافة والمفاهيم والموروث الشعبي.
اما الأمثال الشعبية عند الشعوب الأخرى فلا يزال يكتنفها الغموض ولهذا قررت الدكتورة مونيكا شيبر رصد وضع النساء في تراث الشعوب، وهي باحثة هولندية قررت جمع الأمثال الشعبية وحفظها من هنا وهناك، حاولت من خلالها أن ترسم صورة كلية للموروث الشعبي العالمي فاكتشفت تشابهاً كبيراً وبعيداً فيما بين الثقافات المختلفة، بخاصة فيما يتعلق بالنساء، وجمعت كل ما حصلت عليه في كتاب ترجم لعدة لغات منها الصينية، الهولندية، والعربية، بعنوان «إياك والزواج من امرأة كبيرة القدمين».
أكدت مونيكا أنها لم تلجأ إلى الأمثال الشعبية المكتوبة والمحفوظة فحسب، وإنما سعت في أسفارها إلى جمع الأمثال الشفاهية التي تنتقل من جيل لآخر من دون تدوين.
جاءت تلك الأمثال لتعكس تمييزاً للذكر على الأنثى. وفي موروث أميركا اللاتينية لمست مونيكا فزعاً من خيانة الزوجة حيث كرست الثقافة هناك أمثالاً عديدة لبغض ذلك السلوك منها «الرجل الذي تخونه زوجته يعد المذبح للآخرين كي يحتفلوا بالعيد، أو يعلق المرجيحة كي يتمرجح عليها غيره، أو يشعل الفرن الآخر ليخبز فيه»، والغرض من كل تلك الأمثال كما تقول مونيكا إنذار الرجال بضرورة إحكام السيطرة على النساء واختيار المرأة الأقل حجماً، سناً، ذكاءً، «للزواج». أما في الأمثال التي تخاطب النساء فأغلبها توصيهن بتبجيل الزوج مثل «المرأة التي تحب زوجها تقول له.. انظرلك إلى أعلى» ومثل غربي يقول «الذي يكسو المرأة يعرِّيها» وهو ما يعني حق الرجل أن يفعل أي شيء في زوجته مادام ينفق عليها، وهناك مثل يقول «إذا أصبحت غنية تتحولين إلى رجل».
وفي أمثال اليابان مازالت المرأة الجميلة مصدراً مروعاً للخطر فتتضمن بعضها أن المرأة الجميلة مثل الفأس التي تقطع الحياة، ومثَل آخر يقول: احذر المرأة الجميلة كما تحذر الشطّة، وتحكي مونيكا قائلة: سافرت ذات مرة إلى لندن ودخلت مطعماً تركياً وسألت المضيف عن مثل يعرفه فأجابني «احكم زوجتك بعصا على ظهرها وجنين في بطنها» وفي السنغال قال لي مواطن سنغالي مثَلاً يحمل نفس المعنى وهو «الزوجة اسمها حاضر ونعم إذا سألتها ألا تذهب، مكثت، وألا تتكلم صمتت، وألا تفعل.. لم تفعل».
وتضيف.. الغريب أن الأمثال المتناقضة، تشي أيضاً بنفس الصورة السلبية عن المرأة، فبينما يقول أحد الأمثال: من لم يتزوج اثنتين لم يعرف حلاوة الدنيا، أو من يتزوج واحدة كأنه لا يملك سوى عين واحدة، يناقضها مثَل آخر هو «إذا كان لديك زوجتان فلديك قارورتان من السم».
وفي منطقة المعرفة تؤكد مونيكا أن أغلب الموروث الشعبي العالمي يدعو إلى عدم إعطاء المعرفة للنساء بل وقصرهن على وظائفهن المنزلية.
ومثل أفريقي يقول «إياك من الزواج من كبيرة القدمين» وفي الصين مثل «النساء القبيحات والغبيات كنز لا يقدر بثمن» أما الهند والبرتغال فتحمل ثقافتهما مثلاً واحداً هو: «تعليم المرأة يعني وضع سكين في يد قرد».
وفي روسيا يقول المثل «الكلب أكثر ذكاءً من المرأة لأنه لا ينبح على صاحبه».
ومثل من بورما «أكثر النساء حكمة لا تزال الأكثر حماقة، فكر النساء في كعبها».
وعند العرب: مثال.. «النساء يسألن والرجال يجيبون».
أعطني أماً متعلمة لأعطيك أمة متقدمة
وتشير مونيكا إلى أن أصداء هذه الأمثال لا يزال موجوداً في عقول الشعوب الغربية فلم يتجاوز الغرب بعد الموروث، وإن كان التعليم قد أسهم في تغيير بعض هذه المفاهيم فظهرت أمثال أخرى كالمثل البنغلاديشي: «أعطني أماً متعلمة لأعطيك أمة متقدمة»، العمل أيضاً أسهم في تغيير ذلك الموروث السلبي، خصوصاً أن العصر الحديث لم يعد يعتمد على القوة الجسدية كما كان في الماضي، وهذا ما أثمر تكاملاً بين الرجل والمرأة في العمل والحياة لذا بدأت شعوب متعددة في التخلص من الجزء السلبي من الأمثال مثل الصين التي قررت حذف جميع الأمثال التي تنظر إلى المرأة نظرة سلبية من موسوعاتها الجديدة التي تتعلق بالموروث الشعبي، بينما قامت جنوب أفريقيا بإعادة إنتاج أمثالها بطريقة إيجابية وهذا هو السلوك الأفضل لأنها تحافظ من خلاله على موروثها وفي الوقت نفسه تجعله أكثر إيجابية.
وتقول مونيكا: الأمثال الشعبية مرايا حقيقية تؤكد أن النساء في أجزاء كثيرة من العالم لا يتمتعن بقدر مناسب من الحرية.
المرأة والسوط
د. سحر الموجي أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة تعلق على كتاب مونيكا وتقول: إن هذه الدراسة كسرت فكرة الاختلاف بين ثقافات الشعوب، خصوصاً فيما يخص النساء، فموقع المرأة يكاد يكون واحداً وعلاقة المرأة بالرجل وبالمحيط العام لا تختلف كثيراً من منطقة إلى أخرى ولعل العنف إحدى المناطق التي يتشابه فيها الموروث الشعبي العالمي فأغلب الأمثال الشعبية تكرس للعنف ضد النساء منها المثل العربي «اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24»، و«ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب».
والمثل الإنجليزي: «النساء كالأجراس يجب ضربهن بانتظام»
ومثل بورما «لا تتراجع عن ضرب الثور الصغير أو الزوجة»، كذلك مثل كازاخستان «إذا كانت الزوجة حمقاء فلابد من سوط قوي»، والمثل الروسي «من يضرب زوجته يحسن الله طعامه».
وتضيف: في مكر المرأة يتنوع الموروث العالمي في نفس الاتجاه فهناك مثل فارسي يقول «مكر المرأة في وزن الحمار، ومثل أرميني: وضعوا خبث المرأة على عربة فلم تحتمله، مثل بلغاري: الشيطان هو الشيطان ولكن النساء أكثر شيطنة، المثل السلفادوري: «حتى الشيطان لا يماثل المرأة في خبثها».
لعل أهمية كتاب مونيكا تكمن في فضحه قدر الموروث الموجود في الوعي البشري أملاً في تكسير سلبياته مستقبلاً.