نفق التايمز.. أعجوبة العالم الثامنة

في العام 1825 تمكَّن المقاول الفرنسي مارك برونل من إقناع الملكة البريطانية فكتوريا بأنه يستطيع الانتهاء من بناء نفق تحت نهر التايمز في غضون ثلاث سنوات،
نفق التايمز.. انسجام معماري حديث 
في العام 1825 تمكَّن المقاول الفرنسي مارك برونل من إقناع الملكة البريطانية فكتوريا بأنه يستطيع الانتهاء من بناء نفق تحت نهر التايمز في غضون ثلاث سنوات، كما تمكن من نيل موافقة الحكومة البريطانية على تمويل هذا المشروع الذي كان الأول من نوعه في العالم، ويُستخدم لنقل البضائع بين ضفتي نهر التايمز.

لكن بعد مضي 14 سنة تبين أن برونل لم يتمكن من إنجاز سوى نصف هذا النفق الذي يصل طوله إلى 1200 قدم. فقد تسربت المياه إلى داخل النفق للمرة الخامسة منذ البدء ببنائه، ما أدى إلى مقتل العديد من عمال الحفر، كما فاق تمويله كثيراً الميزانية المخصَّصة له.

على إثر ذلك شعر برونل بالإنهاك واليأس، الأمر الذي أدى إلى إصابته بسكتة دماغية أحدثت لديه شللاً. يُذكر أن برونل خلال شبابه تعرَّض للسجن بسبب تخلفه عن دفع الديون، ولذلك ربما كان يحضِّر نفسه هذه المرة للبقاء فترة أطول في ضيافة الملكة فكتوريا على خلفية الديون التي تراكمت عليه بسبب سوء تقدير كلفة هذا المشروع.

لكن فجأةً لمعت في ذهنه فكرة أدت إلى تحويل هذا المشروع المكلف والخاسر إلى ثامن أعجوبة في العالم. فقد قرَّر برونل تحويل النفق إلى أول مركز تسوق تحت الأرض، ولقي مساعدة سخية في ذلك من قبل نجله المهندس إيسامبار كينغدوم برونل، الذي تمكن لاحقاً من التفوق على والده عبر تصديه لمشروع بناء سكة الحديد الغربية العظيمة.

تأييد وحماس

نالت هذه الفكرة إعجاب الجميع، ولدى افتتاحه في العام 1843 كمركز للتسوق توافد نحو 50 ألف شخص لمشاهدة «نفق التايمز» في روثرايث شرقي لندن. كما حضرت الملكة فكتوريا حفل الافتتاح، وجلبت معها الكثير من المؤيدين المتحمِّسين، لدرجة أنه كانت هناك خشية من ألا تتمكن أرضية الصالة الكبيرة من النهوض بالجماهير المحتشدة.

لقد كانت الإثارة في أوجها، لدرجة أن بعض الذين دفعوا ثمن تذاكر الدخول إلى النفق فقدوا الشجاعة عند مدخله، وامتنعوا عن ولوج تلك الهوة، التي لا تتجاوز سماكة الطبقة الفاصلة بينها وبين مياه نهر التايمز الهادرة التي تجري فوقها الخمسة أمتار، في حين دفع عامل الخوف بعضهم الآخر للتجول في أرجاء النفق بسرعة كبيرة، الأمر الذي منعهم من الاستمتاع والتدقيق بكل جوانبه من الداخل. على أي حال كان هناك عددٌ لا بأس به من الناس الذين حافظوا على هدوئهم، ولم يسمحوا للخوف بالنيل منهم، وهذا كان واضحاً من خلال تجولهم الهادئ في أرجاء النفق، مرتدين أفضل ملابسهم.

بالفعل نجح برونل في تحويل الكارثة التي كانت على وشك أن تحل به وبمشروعه رأساً على عقب. وتم الترحيب بهذا المشروع في شتى أرجاء العالم، بوصفه تحفة هندسية رائعة، حيث جاء لزيارته نحو مليون شخص، أي ما يعادل نصف سكان لندن في ذلك الوقت، خلال الأسابيع الـ15 التي تلت افتتاحه، كما حذا حذوهم آلاف السياح الأوروبيين والأميركيين.

معرض الأحلام

وفي العام 1852 وضع برونل كل طاقاته لإقامة معرض الأحلام، كفرصة لتغيير الصورة المشوهة التي بدأت تظهر عن النفق حتى حقق هدفه وألغى تلك الصورة بل طغى حتى على حفل الافتتاح الذي أقيم العام 1843.

بعد ذلك تم ضم نفق التايمز إلى شبكة أنفاق لندن بوصفه جزءاً من الخط الحديدي الذي يمر في الشطر الشرقي لمدينة لندن. كما ظل مغلقاً أمام الناس على مدى 145 عاماً إلى أن أُعيد افتتاحه أخيرا على هامش مهرجان شرق لندن، الذي تنظمه «هيئة لندن الكبرى».