السُّخام... ثاني أهم الأسباب في ارتفاع حرارة الأرض

الديزل الذي يستخدم وقودا في الشاحنات يعد مصدرا أساسيا للكربون الأسود، ومثله النار التي نستخدمها في حفلات الشواء أو الطبخ. فقد بينت دراسة حديثة أن السخام أو الكربون الأسود الصادر عن هذه المواد يساهم في ارتفاع حرارة الأرض أكثر بكثير مما كنا نتوقع في السابق. وتقول الدراسة الجديدة إن تأثير الكربون الأسود على حرار ة الكرة الأرضية أكثر بثلاث أو أربع مرات من التقديرات التي صدرت عن لجنة التغيرات المناخية التابعة للأمم المتحدة السنة الماضية.

وتحظى هذه المعلومات بأهمية خاصة في مناطق محددة مثل شبه القارة الهندية حيث يمكن لتراجع الكتل الجليدية في جبال الهملايا أن يتسبب في غمر مناطق ذات كثافة سكانية عالية وأن يؤثر في مياه الشرب لمليارات البشر. خلافا لثاني أكسيد الكربون الذي يحتبس الطاقة الشمسية المرتدة عن سطح الأرض، تعمل جزيئات الكربون الأسود على امتصاص الأشعة الشمسية عند دخولها الغلاف الجوي للأرض وزيادة حرارتها.

 وإضافة إلى ذلك، حين تقع هذه الجزيئات على المناطق الثلجية، فإنها تزيد امتصاص الحرارة التي تؤدي إلى ذوبان الثلوج. هذه الجزيئات تأتي من احتراق روث الحيوانات والخشب والفحم والمواد الأخرى التي تستخدم في البيوت. وبعد الاحتراق تتحول إلى غيوم بنية. وتبين الدراسة التي قام بها العالم في راماناثان من معهد سكريبس والمهندس الكيميائي غريغ كارمايكل من جامعة أيوا أن تأثير الكربون الأسود في الغلاف الجوي يعادل حوالي 0.9 واط لكل متر مربع مقابل 0.2 إلى 0.4 واط من ثاني أكسيد الكربون حسب تقديرات لجنة الأمم المتحدة المشار إليها سابقا. الدراسة حملت عنوان «التغيرات المناخية العالمية والمحلية الناتجة عن الكربون الأسود».

 وهي تؤكد ما توصلت إليه ثلاث دراسات سابقة نشرت في 2002 و2005. وتقول الدراسة إن الكربون الأسود يساهم بنسبة تساوي 60 % من تأثير ثاني أكسيد الكربون في زيادة حرارة الأرض. وهذا ما يجعل الكربون الأسود ثاني أهم مساهم في زيادة الحرارة. إن كتلة من الكربون الأسود موجودة في الغلاف الجوي تسبب من التسخين السريع أكثر بحوالي 300.000 مرة من الكمية ذاتها من ثاني أكسيد الكربون، كما يقول مارك جاكوبسون أستاذ الهندسة المدنية والبيئية في جامعة ستانفورد والذي شارك في الدراسة التي أجريت العام 2002. ولكن الفرق هو أن الكربون الأسود يختفي خلال أسبوعين، بينما يستمر ثاني أكسيد الكربون في التراكم وقد يحتاج إلى قرون كي يتلاشى من الغلاف الجوي.

ويعتبر جنوب وشرق آسيا مصدرا لـ 25 % إلى 30 % من الكربون الأسود الموجود في الغلاف الجوي. وتشكل الحرائق في مختلف أنحاء العالم أحد أهم مصادره. في أوروبا والعالم الغربي عموما تناقصت انبعاثات الكربون الأسود بحدود 300 % في السنوات الثلاثين الأخيرة نظرا لزيادة كفاءة احتراق الفحم والاستغناء عن استخدام الخشب في الوقود والاعتماد على تقنيات أكثر كفاءة ونظافة. والشيء الإيجابي في مشكلة الكربون الأسود هو أن بالإمكان الحد منه، كما يقول راماناثان الذي يضيف «لقد نجحنا في تقليصه. وهذا أمر يمكن تحقيق المزيد منه الآن».

 ويضيف إن الرقم الجديد عن الكربون الأسود جاء أعلى من التوقعات السابقة لأن الدراسة أخذت بالحسبان مدى انتشار الكربون الأسود في الغلاف الجوي الذي يصل إلى عدة أميال وأنه يصبح أكثر تأثيرا في عملية التسخين كلما ارتفع في الغلاف الجوي. كما إن قدرته على التسخين تزداد حين تختلط جزيئاته بجزيئات الكبريت والجزيئات العضوية الأخرى التي يمكن أن تعكس الضوء. فهذه الانعكاسات تنتشر في الجو المحيط ليتم امتصاصها في نهاية الأمر من قبل جزيئات الكربون الأسود التي تضاعف من تأثيرها الحراري. وتوصلت الدراسة، التي اعتمدت معلومات من ناسا والأقمار الصناعية ومحطات أرضية ودراسات ميدانية، إلى نتيجة تقول إن التلوث الناتج عن الكربون الأسود مسؤول عن الموت المبكر لأكثر من مليون شخص، وأنه السبب الرئيسي في ذوبان ثلوج الهيملايا. وكانت دراسات سابقة أثبتت أن جزيئات الكربون ا لأسود التي تحط على الثلج تمتص مزيدا من الإشعاع الشمسي وتسرّع في عملية ذوبان الجليد.

No comments

Powered by Blogger.