استبشرنا خيرا حين انتشر الكثير من مسلسلات الأطفال الكرتونية باللغة العربية الفصيحة، وقد كانت تلك المسلسلات وما تحتويه من حوارات، غنية بما يرفد لغة الطفل بأساليب التعبير من استفهام أو تعجب أو طلب أو أمر، وكنا نجد بعض العبارات الفصيحة تتسلل إلى لغة الطفل خلال حديثه مع أقرانه أو مع من هم أكبر منه عمرا.
إذا هي ليست مهمة الأسرة وحدها أن تتصدى لهذا الأمر، وأكثر من جهة عليها نسج هذا الثوب القشيب -لغة الطفل- كالإعلام والمدرسة.
الإعلام له دوره من خلال البرامج الموجهة للطفل، ونذكر هنا أثر برنامج «افتح يا سمسم» الممتد منذ إنتاجه حتى هذه الأيام، وتحقيقه الفائدة، لأنه انتهج المنهج الصحيح في تعليم اللغة من خلال الشخصيات المحببة للطفل والقصص الفكاهية والرسوم المبهجة والأناشيد ذات الإيقاع المحبب السهل الحفظ فكان معينا لدور المدرسة، ومهيئا لمن يتابعه من الأطفال لدخول مرحلة التعليم النظامي. ولكن في الآونة الأخيرة أصبحت برامج الأطفال تدار كيفما اتفق، الحوار باللهجة العامية والأسئلة مبهمة أو ساذجة يجيب عليها الطفل بكلمة فتكمل المذيعة باقي الإجابة، أو البرامج الأخرى التي اعتمدت على أغاني الكبار والألحان الراقصة، لا هدف لها إلا «تنطيط» الطفل مهملةً عقله واستثارة خياله.أما المسلسلات الكرتونية الخاصة بالطفل فقد أصبح الحوار فيها باللهجة العامية مما جعل اللغة العربية الفصيحة في غربة تتفاقم مع مرّ الأيام، لا تكون إلا في مسلسل تاريخي باهت الحضور والموضوع، أو في لقطات ساخرة تجعل اللغة الفصيحة للشخصيات الهزلية فقط. وكذلك مسرحيات الطفل التي غدت بلا قيمة فنية أو أدبية وهدفها الربح المادي فقط.
الأسرة أساس تكوين اللغة المنطوقة لدى الطفل، وهنا لن أبالغ فأدعو المقربين من الطفل بالحرص على الحديث باللغة العربية الفصيحة -وإن كنا نتمنى ذلك- فالأمر سيبدو مضحكا في الوقت الحالي، بينما ومن المؤسف أن حديث الطفل باللغة الانجليزية مثلا يعتبره الوالدان فخرا وابتهاجا ويتبادلان وإياه عبارات الحديث بتلك اللغة وهما يشعران بالتميز وعلو الشأن. لكن -وهو أضعف الإيمان- بالإمكان أن نوفر له المجلات والقصص التي كتبت باللغة العربية مما ينسجم وحاجاته للفرح واللعب وكذلك ينمي حصيلته اللغوية وأن نحاول إبدال بعض المفردات العامية بالفصيحة في حديثنا معه، فإن لم يتحدث بها فهي تكون مألوفة لسمعه ويتقبلها ونحرص على ما يشاهد في التلفاز والابتعاد عن المسرحيات الهزيلة والأفلام الكرتون الساذجة ونتخير له ما كان له قيمة ويثري عقله وخياله.
المدرسة: وفي ظل ثورة الغضب على التلقين في المناهج الدراسية تسرب الاستهجان لكل ما يتطلب الحفظ والتكرار مثل الآيات القرآنية أو القصائد أو الأناشيد، وكأن مفهوم التلقين انحصر بذلك. الطفل في عمره الصغير من الخمس سنوات حتى الثانية عشرة أكثر قدرة على حفظ الآيات القرآنية والتي يكون أثرها ليس فقط في إثراء لغته وأساليب التعبير لديه ولكن أيضا في تقويم لسانه وقدرته على النطق السليم للحروف ومن مخارجها الصحيحة. لذا كانت أمنية أن يعود جزء «عم» مقررا كحفظ على تلاميذ المرحلة الابتدائية. أما المعلم فقد كان من بنود تقييمه كمعلم بغض النظر عن المادة التي يدرّسها مدى التزامه بالعربية الفصيحة المبسطة أثناء الشرح في الحصة وهو أمر لم يعد له الأولوية الآن ولا الاهتمام المطلوب.
لعلها تفاصيل صغيرة لا يأبه لها أحد.. ولكن لها الأثر في تكوين لغة الطفل بدءا من البيت وإلى المدرسة، فاللغة العربية هي هوية الأمة وهي التي تمنحنا التميز بين باقي الشعوب والجماعات، فإن أحسنا الغرس حصدنا ما نصبو إليه ونأمل.