من يوَسْوس أكثر.. الشاب أم الشابة؟

هند شابة (21 عاما) تهتم كثيرا بتفاصيل ملبسها ونظافته، لدرجة أنها تستبدل ملابسها لمجرد أن يلامسها أي شيء، حتى وإن كان ذلك أجزاء من الباب الخارجي للمنزل، فتعود ممتعضة وغاضبة لترتدي غيره... معاناتها لا تقف عند ذلك، بل إنها تقوم بغسل يديها مرارا وتكرارا، ليس لمجرد النظافة، بل لهاجس في نفسها يدفعها إلى ذلك!

تؤكد دراسة أكاديمية أن مرض الوسواس حالة سلوكية شاذة تستحوذ فيها على الفرد فكرة أو خاطرة أو صورة، غالبا ما تكون سخيفة وتافهة، لكنها تفرض نفسها عليه، وتظل تعاوده وتراوده، أو يلح فيها عليه فعل غريب، فيجد نفسه مندفعا لتحقيقه وملزما بتكراره.
وتشير الدراسة التي أعدّتها رئيسة وحدة الإرشاد النفسي في كلية التربية بجامعة الكويت د.معصومة المطيري، وتحمل عنوان: «الوسواس والأفعال القهرية»، إلى أن الفرد يبدو في هذه الحالات عاجزا تماما عن التخلص من تلك الفكرة التي توسوس بها نفسه أو طردها، أو الإقلاع عن ذلك الفعل المجبر على إتيانه وتكراره، برغم إدراكه لطبيعتها الشاذة الغريبة والتافهة.
وتوضح أن الذكور أكثر إصابة بهذا المرض من الإناث، «قد يبدأ المرض في أوائل العشرينيات من حياة الفرد، ويشاهد عصاب الوسواس والقهر أكثر في الطبقات الاجتماعية الأعلى وعند الأشخاص الأذكى»، مبينة أن الوسواس يظهر كثيرا من التناقض في سلوك الفرد، «مثال على ذلك الرجل الذي قد يكون نظيفا بدرجة قهرية في ملبسه ومظهره، يمكن أن يترك حجرته في حالة من الفوضى». لكنها تقول: إن الوسواس والقهر من أقل الأمراض شيوعا، ونسبة المرضى به حوالي 5 % من مجموع مرضى العصاب.
وتفيد الباحثة: إن لكل منا بعض الأفكار التي تراوده بين الحين والآخر، «لكن لهذه العادات والطقوس وظيفة بنائية في تنظيم حياته، غير أنها عندما تكون غريبة وشاذة ومسيطرة عليه إلى حد القهر، تعود بالكآبة والتعاسة وتكون لها دلالة مرضية.
وتشرح د.المطيري، قائلة: الوسواس عبارة عن فكرة دائمة ومتكررة ورغبة تسبب القلق والحزن، أما القهر فهو مجموعة أفعال تشعر الضحية بأنها مرغمة على تكرارها مرارا، مثل غسل اليدين والعد وتكرار بعض الكلمات، وشد الشعر والاهتمام بشكل الجسم، والتوهم من الأمراض والشعور بالذنب والأحلام الجنسية.
وتؤكد المطيري أنه غالبا ما يكون الوسواس والقهر مرتبطين، «الثاني يمثل محاولة لنقض الأول، فمن يغسل يديه بشكل متكرر، يحاول القضاء على هوسه بأن يديه متسختان أو محاولة تجنّب انتقال العدوى»، وتبين أن الوسواس والقهر عادة متلازمان، وكأنهما وجهان لعملة واحدة، «كان فيما مضى يطلق على عصاب الوسواس والقهر والخوف معا اسم الوهن النفسي أو الإنهاك النفسي»، موضحة أن البعض مازال يرى أن الوساوس والخوف يرتبطان ببعضهما إلى حد كبير.
أنواع الوساوس
وتفيد دراسة د.المطيري بأن الوساوس أنواع؛ مثل الوساوس المتسلطة في المجال الفكري، «من الأمثلة لهذا المرض المعروف، أن تسيطر على المريض فكرة قد تكون سوية أو سخيفة، وتتردد على المريض باستمرار وتتسلط على ذهنه، بحيث لا يستطيع ردها»، وتسهب المطيري بالتفصيل، قائلة: مثلا تسيطر على مريضة فكرة أن زوجها سوف يموت بحادث سيارة، وحين خروج الزوج تسيطر عليها الفكرة، ويؤدي ذلك إلى القلق والخوف المستمر.
وتضيف: أما النوع الثاني فهو الوساوس المتسلطة في المجال الوجداني، وتظهر هذه الوساوس، كما توضح الدراسة، في صورة شك أو ارتياب، «تعتبر المخاوف المرضية من صور الوساوس كالخوف من أشياء معينة لا داعي للخوف منها»، بينما النوع الثالث من الوساوس، فهو «المتسلطة في مجال الأفعال».
ضرر على المجتمع
وتحذر دراسة د.المطيري من أفعال يعود ضررها على المجتمع ويطلق عليها الأفعال القهرية المضادة للمجتمع، مثل السرقة القهرية، وهي وقوع المصاب فريسة لفكرة تسيطر عليه وتجعله يقوم بالسرقة كلما أتيحت الفرصة له، دون أن يعرف السبب لذلك، «كثير من المصابين بهذا المرض من الأغنياء!»، أما الضرر الآخر فهو إشعال الحرائق القهرية، وهي قيام المريض بإشعال الحرائق من دون معرفة الدافع، ويشعر بعدها بالراحة والسرور، بالرغم ما تسببه من أذى للآخرين.
الباحثة تناولت أنواعا عدة من الوساوس، منها استحواذ فكرة الوسخ والتنجيس، واستحواذ فكرة الحاجة إلى تناسق، والحاجة العارمة لتنسيق الأشياء والاهتمام المبالغ بالترتيب في الشكل الشخصي أو البيئة المحيطة، وتكرار عادات روتينية بلا سبب، بالإضافة إلى شكوك غير طبيعية، «مخاوف لا أساس لها من أن الشخص لم يقم بالشيء على وجهه الصحيح»، إلى جانب الأفكار الدينية المستحوذة، حيث تراود أفكار محرمة أو مدنسة بشكل غير طبيعي، والخوف المبالغ فيه من الموت أو الاهتمام غير الطبيعي بالحلال والحرام.
المطيري ذكرت أنواعا أخرى للوساوس، مثل استحواذ أفكار العنف، والخوف من أن يكون الشخص هو السبب في مأساة خطيرة مثل حريق أو قتل، أو الخوف من أن يقوم الشخص بتنفيذ فكرة عنف مثل طعن شخص أو رميه بالرصاص.
وترجع المطيري سبب الوسواس القهري إلى الأمراض المعدية، والحوادث والخبرات الصادمة، إضافة إلى الصراع بين عناصر الخير والشر في الفرد، والصراع بين إرضاء الدوافع الجنسية والعدوانية، وبين الخوف من العقاب وتأنيب الضمير، إلى جانب الإحباط المستمر في المجتمع، والتهديد المتواصل بالحرمان، وفقدان الشعور بالأمن، والخوف وعدم الثقة بالنفس والكبت، فضلا عن التنشئة الاجتماعية الخاطئة والتربية المتزمتة الصارمة، والمتسلطة الآمرة الناهية القامعة، والتدريب الخاطئ المتشدد المتعسف على النظافة في الطفولة.
وتتابع الباحثة سرد الأسباب، مثل الشعور بالإثم وعقدة الذنب وتأنيب الضمير، وتقليد سلوك الوالدين أو الكبار المرضى بالوسواس والقهر، مشيرة إلى أن البعض يُرجع المرض إلى «وجود بؤرة كهربائية نشطة في لحاء الدماغ تسبب دوائر كهربائية تؤدي إلى نفس الفكرة أو السلوك، وهذه البؤرة على اتصال دائم بالدوائر الكهربائية الأخرى في لحاء الدماغ تقاوم هذه البؤرة وتكف من نشاطها».
طرق العلاج
تذهب الدراسة إلى أنه يستخدم في علاج الوساوس والأفعال القهرية، أسلوب العلاج السلوكي الذي يعتمد على نظرية التعلم التي ترى أن الأمراض العصبية تعلم العادات السيئة غير المرغوب بها، «يسعى العلاج إلى إطفائها أو كفها وتكوين استجابات شرطية بديلة إيجابية ومرغوب فيها».
ودعوا إلى إرسال المريض إلى الطبيب النفسي المتخصص، ومساعدة المريض والتحدث معه والاستماع إلى ما يقول، «لا تنفعل لغرابة بعض الأفكار التي يخبرك بها، وتذكر أن الأفكار هذه نتاج خلل كيميائي، ودعه ينفّس عن نفسه إذا غضب، ولا تنفعل لغضبه».
وتفيد بأن طرق العلاج تكمن في عدة دعوات، منها «كن إيجابيا مع المريض وتذكر أن سبب المرض ليس المريض، ولا تنفعل للوساوس والأفعال،
ولا تحبط المريض، بل شجّعه عند ملاحظة أي تقدّم وذكّره بالنجاح دائما، إضافة إلى عدم الاستعجال بالشفاء، لأن الصبر على النتائج يساعد المريض على التخلص من الوساوس بصورة تدريجية، إلى جانب عدم الانفعال إذا تراجع المريض في العلاج، وهذا أمر طبيعي، بل تقبّل وانتظر حتى يخطو المريض إلى الأمام».
وفي الختام تؤكد الدراسة أهمية الاهتمام بأمور أخرى على علاقة بالمريض، كالرياضة والمشي والسباحة. «حوالي 20 % من الحالات تشفى، و40 % تتحسن، بينما 40 % فقط لا تتغير حالتها.