الحكومة الإلكترونية.. عالم رقمي متحرر من البيروقراطية

بدأ الاتجاه نحو الحكومة الالكترونية يمارس ويعتمد ويطور في العديد من الحكومات العالمية والعربية منذ ما يقارب عشر سنوات ليصبح جزءا لا يتجزأ من مشروع التنمية والتطوير الذي يهدف لتقديم افضل الخدمات على الاصعدة كافة، حيث ان الرؤية الأساسية للحكومة الإلكترونية هو حاجة الحكومة الدائم لتطوير أدائها وتغيير أنماط أدائها للعمل لتقديم خدمات أفضل للمواطنين الذين ترعى مصالحهم.

وتحكم هذه الرؤية ثلاثة محاور، اولا خدمة رعايا هذه الحكومة Citizen-Centered، المحور الثاني أن تبني خططها وفق الأهداف Result-Oriented، والثالث أن تكون قابلة للتطوير الدائم Actively promoting innovation.

أما أهم أهداف الحكومة الإلكترونية فتتركز في تقديم الفرص العديدة لتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، وتهيئة المعلومات التي يحتاجها المواطنون خلال أقصر فترة ممكنة، والتي يجب أن تقاس بالثواني أو الساعات عوضا عن الأيام.

كذلك تبسيط عمل موظفي الدولة وزيادة إنتاجيتهم عبر وضع أنظمة مترابطة من المعلومات لها من خصائص الشفافية المعلوماتية والإدارية ما يمكنهم من خدمة المواطنين والأعمال المناطة بهم بأفضل شكل ممكن.

دعم وتشجيع

تلقى الحكومة الالكترونية الدعم والتشجيع لقطاع الأعمال عبر عدد من الاجراءات، منها وضع كل ما يحتاجه أي قطاع من قطاعات الأعمال من معلومات في موقع مبسط واحد على الانترنت، أو وفق أنظمة النافذة الواحدة في أي موقع حكومي.

توفير كافة النماذج المطلوب تعبئتها لأي عمل على الانترنت، أو ضمن خدمة النافذة الواحدة. وتبسيط عمليات تعبئة المعلومات وإرسالها.

وتخفيف أي ازدواجية في الأوراق المطلوبة لتنفيذ أي مهمة صناعية، زراعية أو تجارية.

عمل تقني

يتساءل البعض ان كانت الحكومة الإلكترونية على الانترنت فقط ام انها تفعل عمليا. اذ انه من الأخطاء الشائعة أنه عندما تطرح الندوات حول الحكومة الإلكترونية تتمحور معظم الطروحات حول الانترنت وأتمتة الدولة، وهذا جزء من نظام متكامل وليس هو النظام بأكمله، الحكومة الإلكترونية يجب أن تكون متوفرة كخدمات ضمن اشكال عدة مثل المواقع الحكومية ضمن مفهوم النافذة الواحدة، الهاتف أيضاً ضمن مفهوم النافذة الواحدة، الانترنت عبر موقع الحكومة الإلكتروني، مراكز التخديم الآلية المتوفرة في مواقع التسوق والأماكن النائية، البريد العادي والالكتروني.

كما للبيئة حيز في معادلة الحكومة الالكترونية من خلال الاعتماد على الاجهزة التقنية والتكنولوجية بعيدا على الاستخدامات التقليدية، من استخدام الورق اللازم لإنجاز هذه المعاملات البنكية وغيرها او الوقود اللازم لإيصالي إلى المواقع المختلفة لإنجاز الأعمال. وايضا ضياع للوقت، وعلى سبيل المثال انجاز المعاملات المصرفية، تعبئة طلبات التأشيرات، حجز دور السينما او الصالات والمطاعم وغيرها من الاعمال التي تفعل وتنفذ وتنجز عبر التقنية العالية.

ركائز أربع

سواء كنا نتحدث عن بيئة العالم الواقعي ام بيئة الانترنت الافتراضية، فان اية حكومة تسعى لان تحقق فعالية عالية في تقديم خدماتها للجمهور وتحقق فعالية في تبادل النشاط بين دوائرها ومؤسساتها، وقد وصف القطاع الحكومي دوما بالبيروقراطية اشارة الى بطء الانجاز واحيانا كثيرة الى تعقيده من دون مبرر.

تقوم فكرة الحكومة الالكترونية على ركائز اربع تتمثل في:

1) تجميع كافة الانشطة والخدمات المعلوماتية والتفاعلية والتبادلية في موضع واحد هو موقع الحكومة الرسمي على شبكة الانترنت، في نشاط اشبه ما يكون بفكرة مجمعات الدوائر الحكومية.

2) تحقيق حالة اتصال دائم بالجمهور (24 ساعة في اليوم، 7 ايام في الاسبوع، 365 يوما في السنة)، مع القدرة على تأمين كافة الاحتياجات الاستعلامية والخدمية للمواطن.

3) تحقيق سرعة وفعالية الربط والتنسيق والاداء والانجاز بين دوائر الحكومة ذاتها ولكل منها على حدة.

4) تحقيق وفرة في الانفاق في كافة العناصر بما فيها تحقيق عوائد افضل من الانشطة الحكومية ذات المحتوى التجاري.

نظرة على التجربة الاميركية نجد ان المساحة الارحب للاهتمام انصبت على المشتريات الحكومية وعلى العلاقات التجارية بين قطاعات الحكومة ومؤسساتها وبين الجمهور ومؤسسات الاعمال في القطاع الخاص، وهو ما يعكس الذهنية الاستثمارية او الاقتصادية السائدة في اميركا، في حين لو دققنا النظر في التجارب الاوروبية لوجدنا المحرك الرئيس للعمل حماية وخدمة المستهلك او المواطن. وبين هذين الاتجاهين تتجاذب تجارب الدول النامية المنقولة التي ربما لن تكون اكثر من نماذج مستنسخة.

واذا كان يمكن التجاوز عن استنساخ اي تطبيق من تطبيقات تقنية المعلومات فان الحكومة الالكترونية عصية عن الاستنساخ ان اردناها ناجحة وفاعلة، لان متطلباتها كما نرى تعتمد جوهريا على البناء الخاص للحكومة الواقعية وعلى الاداء الخاص بالموظف الحكومي وعلى الثقافة الخاصة بمجتمع المواطنين.

واذا كانت بعض المفاهيم للحكومة الالكترونية تقوم على اساس تجميع الخدمات في موضع واحد، فان مفاهيم اخرى تناقض هذه الفكرة، اذ لا يرى البعض حاجة لانتهاج مسلك التجميع، بل يمكن ان يتحقق الانجاز افضل ان تم انشاء اكثر من مركز للعمل الحكومي الالكتروني، وهذا من جديد يعيد التساؤل حول النظامين المركزي واللامركزي وايهما افضل في الواقع التطبيقي.

لا يتعين الاستغراب من حيث ان الحكومة الالكترونية تعيد امتحان كافة النظريات الادارية والدستورية للحكم، ولا ابالغ ان قلت انها ربما تعيد طرح فكرة العقد الاجتماعي ذاته الذي فسر اساس السلطة في الدولة.

الحكومة الالكترونية من حيث مفهومها، هي البيئة التي تتحقق فيها خدمات المواطنين واستعلاماتهم وتتحقق فيها الانشطة الحكومية للدائرة المعنية من دوائر الحكومة بذاتها او فيما بين الدوائر المختلفة باستخدام شبكات المعلومات والاتصال عن بعد.