نقابات العمال: وسيلة المال والشهرة والسياسة


علي باجي العنزي


يمتد العمل النقابي في الكويت إلى خمسة عقود مضت ، ففي بداية ظهور النفط وتصديره بكميات تجارية في أربعينيات القرن الماضي ، استقطبت الشركات النفطية آنذاك المئات من العمال الكويتيين والعرب حيث كانت تقدم حوافز مغرية أفضل من باقي المهن رغم ندرة فرص العمل في ذلك الوقت ، وخلال العمل في هذا القطاع الحيوي ظهرت العديد من المشاكل بين الإدارة والعمال ، وشعر بعض العمال أنهم بحاجة إلى تزكية عدد منهم للمطالبة بحقوقهم ومن هنا جاءت فكرة تأسيس نقابة العمال العاملين في القطاع النفطي والتي من ابرز اهدافها الدفاع عن حقوق العمال و أن تكون آداة ضغط ضد القائمين على الشركات النفطية.

قمة الأداء

ولم يقتصر الوضع عند تكوين لجنة تدافع عن حقوق العاملين وإنما قام القائمون على النقابة بإنشاء مركز ثقافي في نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات والهدف من إنشاء المركز الثقافي هو تطوير الفكر النقابي لدى العمال و كان العمل النقابي عند بدايته يمثل هاجسا يؤرق أرباب العمل و بلغ قمة آداء العمل النقابي في الكويت في منتصف الستينيات ، أي قبيل وبعيد تأسيس الاتحاد العام لعمال الكويت حيث صدر في العام 1964قانون العمل في القطاع الأهلي ، والذي يتضمن في الباب الثالث عشر منه حق تأسيس النقابات العمالية ، وظل العمل النقابي يعيش عصره الذهبي حتى منتصف الثمانينيات ، ويرى المتابعون للشأن النقابي ان تردي العمل النقابي الحالي يعزى إلى افتقار هذا العمل التطوعي للكوادر المؤسسة التي ساهمت بشكل مباشر في تطوير العمل النقابي بعيدا عن المصالح الضيقة ،

العمل التطوعي والنقابي اصبح محور حديث الدواوين والمجالس العامة لاسيما بعد النشاط الملحوظ لبعض النقابات والتي تطالب باقرار الزيادات المالية لمنتسبيها ، ولم يكن الحراك النقابي في الآونة الآخيرة مقتصرا على المطالبة بحقوق العاملين بل كان حراكاً ناتجاً عن صراعات واختلافات بين اعضائها ، والدليل على ذلك ما نشرته وسائل الإعلام ، ففي الآونة الأخيرة تبادل القائمون على إحدى النقابات الاتهامات فيما بينهم مما أثار موجة استياء عامة وألقت بظلال من الشك حول آلية عمل النقابات والأهداف التي يصبوا إليها بعض أعضائها .

اتهامات موجهة

أعضاء ورؤساء النقابات يؤكدون أنهم يعملون لأجل الصالح العام وأن التهم الموجه ضدهم منطلقها شخصي ويشيرون في هذا الصدد إلى أن تاريخهم النقابي وانجازاتهم تشفع لهم وفي هذا السياق قال رئيس نقابة الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب عبدالرحمن السميط « إن الاتهامات الموجهة لرؤساء الهيئات واعضائها اتهامات عارية من الصحة ، وأن الذين يروجون لهذه الإشاعات هم الاشخاص المتضررون من آداء النقابات خاصة كبار المسؤولين والذين تناكفهم النقابات في القضايا التي تخص الموظفين ، و أشار إلى الواقع الذي يعيشه رؤوساء واعضاء النقابات من نقص حاد في التمويل ، والحرب التي تدور رحاها بشكل يومي بينهم و بين المسؤولين في الوزارت التي يعملون بها وكشف عن ممارسات تعسفية من بعض المسوؤلين ضد العاملين في النقابات مثل تأخير الترقيات ، والتضييق عليهم في مقار عملهم ، وفي رده على سؤال حول المكاسب المادية والمعنوية التي يرى البعض أن اعضاء النقابات يحصلون عليها بحكم انتسابهم لها قال عبدالرحمن السميط «إن معظم النقابات المشهرة حديثا تعاني من عجز مادي بسبب عدم وجود دعم مادي من وزارة الشؤون ، فمثلا -و الحديث لا يزال للسميط- نقابة العاملين في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب لديها مشكلة في الدعم المادي ، إذ يتحمل أعضاؤها معظم الأعباء المادية والمتمثلة في تأجير المقر ، وتوكيل محام للنقابة لتمثيلها أمام القضاء» ، وختم السميط تصريحه لـ «أوان» بهجوم لاذع على بعض اعضاء مجلس الأمة حيث وصفهم بمخلصي المعاملات ، وأنهم تناسوا دورهم الحقيقي وهو التشريع وصناعة القوانين والتي من شأنها تحقيق الأمن الاجتماعي ، لكن كلام السميط لم يستسغه عدد من موظفي القطاع العام والذين يأملون من النقابات أن تقدم الكثير ، محمد العلي والذي يعمل موظفا حكوميا ومقر عمله في مجمع الوزارات يرى أن بعض النقابات تعمل بشكل جيد و صوت أعضائها عال في الصحف ونشاطهم ملموس ، أما البقية وهم الأكثرية فلا نسمع صوتهم على الإطلاق ، و نستغرب عندما نسمع أن هيئة حكومية أو وزارة ما لديها نقابة فبعض المؤسسات الحكومية لديها نقابات لكن نشاطها معدوم تماما لان أعضائها على وفاق مع قيادات الوزارة والضحية بالنهاية صغار الموظفين .رئيس 4 جمعيات.والملاحظ أن كلام الموظفين والمتابعين للشأن النقابي وانتقادهم لبعض النقابات ليس منطلقه شخصيا كما يظن البعض ، فهناك دراسات رسمية أجرتها مؤسسات حكومية تؤكد ذلك . ومنها دراسة للجنة التنمية البشرية والمجتمعية في المجلس الاعلى للتخطيط حيث كشفت خلالها «أن هناك تكرار لـ25 رئيسا في جمعيات النفع العام احتفظوا بمناصبهم خلال الفترة مابين 2001 - 2005 وترأس شخص واحد 4 جمعيات نفع عام في آن واحد خلال تلك الفترة ، كما كشفت الدراسة عن حقيقة أخرى مفادها عزوف العنصر النسائي عن المشاركة الفعالة في انتخابات الجمعيات العمومية لكل الجمعيات التطوعية سواء كانت نفع عام ، أم نقابات عمالية. وبينت الدراسة أن جمعيات النفع العام تحولت إلى ديوانيات مغلقة لمجموعة مصغرة ، وأن وزارة الشؤون ليس لديها احصائيات عن عدد جمعيات النفع العام ونسبة المشاركة ونوع النشاط الحقيقي لها ، وان هناك عددا من مؤسسات المجتمع المدني غير مرخصة ووجود عدم توازن بين الناشطين والمسجلين على الورق،الأمر الذي افقد النشاط الإجتماعي فاعليته ، بالإضافة إلى بروز ظاهرة الفروق الكبيرة في الميزانيات المخصصة ، ووجود قوانين متضاربة وغير منسجمة مع بعضها.

وكانت الدراسة شاملة بحيث عرجت على الاندية الرياضية ، ونوهت إلى أن « وزارة الشؤون لم تبادر بحل المشكلات الرياضية العالقة في المؤسسات الرياضية ،على رغم تشابه نوع المشكلات » .

ظاهرة تنافس

أشارت الدراسة إلى حقيقة مهمة وخطيره في الوقت نفسه ، وتتمحور هذه الحقيقة حول وجود ظاهرة تنافس سياسي و قبلي و طائفي ، في انتخابات الأندية منوهة إلى أنه « رغم الخسائر الفادحة والمتكررة فإن القائمين على النشاط الرياضي احتفظو بمناصبهم ، ورغم آدائهم السيئ وعدم رضا الشعب « واستنتجت الدراسة عددا من الامور و الوقائع اللافته للانتباه منها خروج مؤسسات المجتمع المدني عن الاهداف التي تأسست من اجلها »

تعتبر هذه الدراسة من أجرأ الدراسات الرسمية التي تنتقد الجمعيات التطوعية ، لكنها لم تشر بالإسم إلى بعض النقابات الخاملة وجمعيات النفع العام المغلقة ، والتي حولها القائمون عليها إلى ملكيات خاصة لهم وللمحسوبين عليهم ، رئيس اتحاد عمال الكويت خالد الغبيشان له تصريح صحفي حول هذه الانتقادات الموجهه للنقابات وقال « إن هذا الكلام عار من الصحة فالنقابات والقائمون عليها عملهم تطوعي بحت ، ويهدف للصالح العام و إن من يسوق لمثل هذه الأقاويل إما شخص جاهل بالعمل النقابي أو لديه موقف شخصي من أحد أعضاء النقابة ، ودعا الغبيشان الموظفين الذين لديهم ملاحظات أو اقتراحات لتطوير العمل النقابي أن يتقدموا دون تردد فالأبواب مفتوحة للجميع « ويتفق رئيس الاتحاد الوطني لعمال وموظفي الكويت المهندس خالد الطاحوس مع ما أدلى به رئيس اتحاد عمال الكويت حول الغايات السامية لنقابات العمال وهي تحقيق الصالح العام .

مآرب شخصية

المهندس الطاحوس لم ينف أن هناك أهدافا شخصية ومآرب لبعض القائمين على النقابات ، وبين أن هذه الممارسات تحدث في جمعيات النفع العام والجمعيات التعاونية ، منوها بأن أعضاء النقابات بشر وممكن أن يقعوا في الخطأ كغيرهم .وشدد رئيس الاتحاد الوطني لعمال وموظفي الكويت على ضرورة تفعيل دور النقابات العمالية نحو مصلحة العمال فلم تنشأ هذه المؤسسات التطوعية إلا لخدمتهم والسعي لإيجاد المناخ التفاوضي المناسب بينهم وبين الإدارة، وخلال استرساله في أحاديث عن آلية عمل النقابات دعا الطاحوس أعضاء الجمعيات العمومية إلى محاسبة النقابات التي لايشعرون بالرضا عن آدائها، مؤكدا أن هذا حق مكتسب وأصيل لأعضاء الجمعيات العمومية، لأنه على حد تعبيره ليس من حق أعضاء النقابات التكسب إعلاميا وماديا وسياسيا على حساب الطبقة العاملة.

وأختتم رئيس الاتحاد الوطني موظفي الكويت خالد الطحوس تصريحه لـ «أوان» ان النقابات العمالية احدثت نقلة نوعية في العلاقة بين الموظف والمسؤول. حيث اصبحت الإدارة ترمق العامل بنظرة ملؤها الاحترام والتقدير.


No comments

Powered by Blogger.