سوق قطع الغيار بين خفايا الجودة وأزمة الأسعار

حوادث يومية مؤسفة تجعل سوق قطع الغيار مزدهرا
موقف مأساوي وحزين.. أب يفقد ابنه البالغ من العمر 18 سنة بسبب توفير بضعة دنانير!
والحكاية تتلخص في الآتي: قضى شاب نحبه بسبب إهمال الوالد المشغول دائما بأعماله الخاصة.. الشاب يلح على والده باستمرار لتغيير «سفايف» السيارة فصوتها مزعج يثير غضب من حوله، فضلا عن أنها باتت غير آمنة. اضطر الشاب لأن يتصرف مستسلما للواقع، فذهب مع أصدقائه إلى أحد المحال التجارية لشراء قطع غيار، وعندما هاتف والده ليستشيره حول الفرق بين سعر القطعة في الوكالة وبين سعرها داخل المحال التجارية، أشار عليه الوالد بالتجاري، وبأن يحتفظ بالباقي مصروفا له.

تمر الأيام ويذهب الشاب مع أصدقائه للسباق على الدائري السادس ومع الحماس وزيادة السرعة ينطلق بسيارته متحديا الآخرين. يفقد الشاب سيطرته على السيارة ولم يسعفه البريك لأن صناعته تجارية وغير أصلية، فيصطدم بـ«الصبة» ويسلم الروح، بسبب تهوره من ناحية، وسعي والده لتوفير بضعة دنانير.
هذه واحدة من حكايات كثيرة من سوق قطع الغيار الذي تسلط «أوان» الضوء عليه، وتستطلع ما يدور بين باعة القطع الأصلية منها والتجارية، وفنيي التصليح وأصحاب السيارات.
لا يتردد إبراهيم عبدالله في شراء قطع مستعملة أو تجارية لبعض أجزاء سيارته، ولكنه يحرص على شراء إطارات وبريكات أصلية ولو بأسعار مرتفعة الثمن. أما سالم العازمي فقد اضطر لتصليح سيارته خارج الوكالة الأصلية بسبب المبلغ الباهظ الذي طلبوه منه ثمنا للقطعة ولأجرة التصليح، وذلك على الرغم من قناعته بأن الوكالة هي الجهة القادرة على تصليح العطل بحرفية عالية، وتتحمل مسؤولية التصليح، لكن للضرورة أحكام، كما يقول، مضيفا أنه عندما تتعطل السيارة يكون الواحد في موقف صعب وضعيف وقد يدفع أكثر مما يجب.. وقد يكتشف بعد فوات الأوان أنه كان مخدوعا.
توفير القطع
يفترض سعد محارب (موظف) أن الوكالة الرسمية للسيارة هي الملجأ الاول والاخير لصاحب السيارة عند تعرضها لأي عطل، ولكن ما يجري في الكثير من ورش الصيانة والتصليح التابعة للوكالات مريب ويبعث على الحيرة.. والسائد الآن أنهم يتحكمون بتوفير القطع، وبالتالي يتحكمون بأسعارها، وعموما هي غالية الثمن، كما أن زيارة الوكالة بحاجة الى موعد مسبق للحصول على الخدمة اللازمة. يقول سعد إنه كان في السابق يدفع مبلغ 70 دينارا لإجراء صيانة شاملة للسيارة وبوقت قصير وخدمة متميزة، ولكن الآن تحتاج السيارة الى 180 دينارا لإجراء هذه العملية التي يجب أن تكون دورية حفاظا على سلامة السيارة والحفاظ على جاهزيتها دائما.
وأكد محارب ان أسعار قطع الغيار الاصلية لسيارته مرتفعة في وكالتها، وانه وجد نفس القطعة بسعر أقل خارج مستودعات الوكالة، كما انه يتوقع أن يحصل على خدمات أفضل وأسرع وبسعر أقل في ورش التصليح الخاصة مقارنة مع الوكالة، مشيرا الى ان كثيرين يقومون بشراء قطع سياراتهم من دول مجاورة بسبب أسعارها المنخفضة، وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية والازمة العالمية. كما انه يشير الى ان الوكالات رفعت الاسعار، الامر الذي زاد من اقبال الناس على القطع التايوانية والصينية المقلدة، فكلما زاد الغلاء الفاحش لقطع الغيار الاصلية في الوكالات زاد الاقبال على القطع المستعملة والتجاربة.
سعر أقل
لم يكن سالم العازمي (موظف) على دراية كافية بهذا الموضوع لولا إنصاته بتركيز الى قصص أصدقائه حول مواقف تعرضوا فيها للنصب على أيدي فنيين ومكانيكيين في ورش تصليح السيارات، وذلك عندما سأله أصدقاؤه في الديوانية عن سبب غياب سيارته وأخبرهم أنها في الكراج، الامر الذي فتح أمامه سيلا من التفاصيل حول عالم قطع السيارات المقلدة التي تباع كالقطع الاصلية لمن يجهلون ذلك، ويقول إنه يصعب تمييز القطع الاصلية عن المقلدة، فهي تبدو نفسها وليس سهلا معرفة ما اذا كانت اصلية ام مقلدة، والامر إقرب إلى الرهان بين من لا يملكون الخبرة وبين عديمي الضمير من فنيي الكراجات وباعة القطع أنفسهم الذين يهدفون لكسب المال فقط. ويضيف: يلعب سعر القطعة وكلفة تصليح السيارة دورا كبيرا في موقف صاحبها، فقد يضطر أحيانا للقبول بالقطعة المقلدة، وخاصة أن فارق السعر بين القطعتين كبير جدا، وفي أحيان اخرى قد لا تتوفر القطعة الاصلية في الوكالة او في محلات قطع الغيار فيضطر المحتاج للموافقة على تركيب قطعة مستعملة وغير أصلية.
مطابقة للمواصفات
وقال إن القطع قبل طرحها في الاسواق يجب أن تكون معروفة المصدر وتكون مطابقة للمواصفات المحلية والعالمية، ومن المعروف ان نسبة كبيرة جدا من قطع السيارات تأتي من الصين والهند وبعض الدول الآسيوية وهذه النوعية من القطع غير مضمونة الاداء ولا العمر مثل الاصلية، ويجب على البائع ان يوضح للمشتري وألا يخدعه بتجميل سمعة القطع التجارية على حساب الاصلية من أجل تسويقها وكسب ربح اكثر فيها، مشيرا الى ان خبرة الشركة الصانعة للسيارة تظهر في تصنييع قطع للسيارة او الاتفاق مع شركات اخرى لتصنيع تلك القطع حسب المواصفات المطلوبة قبل إضافة اسمها وعلامتها التجارية على المنتج. وتمنى العازمي أن يتم تفعيل الرقابة على محلات استيراد وبيع القطع لضبط النوعية والحد من التلاعب بالجودة والأسعار.
كفالة سنة
من جهته يؤكد بيتر فنان دز (موظف في شركة لبيع قطع غيار السيارات) وجود الصنفين من القطع في السوق، الأول الاصلية المصنعة في بلدان الوكالات، والثاني التجارية المصنعة في تايوان أو سنغافورة او الصين. وتأخذ الشركة التي يعمل فيها بيتر عمولة بنسبة 25 % من الوكالات عند بيع قطعها الأصلية، ويقول: يصل الفرق في السعر بين القطعتين الى نصف الثمن، وهناك قطع أصلية تباع بأضعاف سعر القطعة التجارية، ومن امثلة ذلك ثمن سفايف بريك أمامي فالأحمر، وهو الاصلي الياباني فسعره 7.5 دنانير، أما الازرق، وهو تقليد ماليزي، فبسعر دينارين فقط. كما أكد وجود إقبال كبير جدا على القطع التجارية يصل الى نسبة 90 % من الزبائن الذين قال إنهم يحبذون استخدام قطع تجارية مقلدة على الرغم من وجود كفالة لسنة واحدة على الاقل للقطعة الأصلية من الوكالة.
وينصح بيتر باستخدام قطع اصلية لبعض أجزاء السيارة وذلك من باب الامان والاطمئنان حتى لو كانت بكلفة عالية، وخاصة البلاكات والقايشات والفلاتر وطرمبات الزيت والماء، مؤكدا ضرورة الابتعاد عن الحيرة لحظة شراء القطعة الأصلية والاهتمام بثمنها، لأنها افضل بكثير لأداء السيارة من المقلدة.
عمليات خداع
على الرغم من أن انتشار السيارات الحديثة ووكالاتها في الكويت وتوفيرها بعض الخدمات المجانية وأثر ذلك في الحد من ظاهرة أعطال السيارات الحديثة، الا ان سوق القطع المقلدة منتعش مقارنة مع سوق القطع الاصلية، حسبما يؤكده ديفيد الفني في ورشة تصليح سيارات، مضيفا أن هذه القطع المقلدة تؤدي وظيفة واحدة بنظر الفني وصاحب السيارة فهي تحل المشكلة وتصلح السيارة ساعة العطل وهو المطلوب، ولكن ماذا سيجري بعد ذلك؟ ان هذه القطعة سوف تضر بغيرها من أجزاء السيارة لأن مستوى ادائها مختلف وضعيف الى حد كبير. واكد أن ميول الاكثرية من اصحاب السيارات الاميركية تتجه نحو شراء واستعمال القطع الاصلية حتى لو كان سعرها مرتفعا، وعبر عن اعتقاده بأن السبب هو قلة القطع المقلدة للسيارات الاميركية، الا ان ارتفاع السعر يجبر نسبة منهم وخاصة المقيمين على استخدام القطع التجارية.
وحذر ديفيد من التضليل الذي من الصعب كشفه في نوعية القطعة، وما اذا كانت مقلدة ام اصلية، وذلك بسبب انتشار الشركات الصانعة لنفس الماركة، وكثيرا ما يتعرض أصحاب السيارات الى الخداع من الفنيين ومحلات بيع القطع. وضمن عمليات الخداع أنهم لا يغلفونها ويكتفون بوضعها في أكياس بلاستيكية شفافة، ومنهم من يغلفها ويضعها في عبوات مطابقة تماما لتغليف القطع الأصلية، ومن الصعب اكتشافها الا بعد التركيب، وهناك من يبيع المقلدة على انها أصلية، وهناك من يستخدم قطعا مجددة على أنها مستعملة ولكنها اصلية والسر في جميع الأحوال هو السعر الاقل.
تصليح السيارة
يفرق اصحاب السيارات بين قطعة وأخرى، فالاطارات أهم من فرش السيارة، والبطارية أهم من المسجلة. ويبدو هذا واضحا في سلوك الشخص عندما يدخل محل القطع، حسبما يراه إبراهيم عبدالله، فهو شخصيا حريص على شراء إطارات وبريكات أصلية حتى لو كانت غالية الثمن، وقال أثناء شرائه معاونا خلفيا تجاريا لباب سيارته: إنه بسعر 6 دنانير بينما الاصلي بـ 12 دينارا، أعتقد أنه سوف يفي بالغرض وهذ الجزء ليس مهما ولا بأس لو كان تجاريا.
وقال: أنا متأكد أن استخدام قطعة أصلية أفضل بكثير واعتقد ان قطع جميع السيارات متوفرة رغم ارتفاع اسعارها، واصحاب السيارات على وعي بأهمية استخدام قطع أصلية لسياراتهم، ويدركون مخاطر القطع التجارية وأنها تقلل من عوامل الأمن والسلامة للسيارة، الا أن افتقادنا للخبرة في كشف القطع غير الآمنة والسليمة يتطلب مساعدة من فني التصليح الذي لا يدقق في الامر لكي لا يدخل في اشكالات مع البائع، ويكتفي بتصليح العطل في السيارة حتى لو لم يكن مقتنعا. وأكد عبدالله ان استخدام الكثير من القطع التجارية أمر يثير القلق، ويظهر هذا في انخفاض مستوى الاداء العام لمحرك السيارة وأنظمتها، ويرى ان الاقبال الكبير على تركيب قطع تجارية كالإطارات والفرامل يساهم في ازدياد الحوادث المرورية بسبب تراجع مستوى السلامة في السيارة.
خسائر إضافية
لا يحبذ محمد الحربي (موظف) شراء قطع تجارية لسيارته الحديثة نظرا لمخاطر القطعة على غيرها من أجزاء السيارة، إلا أن غلاء القطع يدفع الناس الى التجاري والمستعمل، وقال: أقوم بنفسي بشراء القطعة الأصلية وأتأكد من ذلك قبل تركيبها في سيارتي لأنه من السهل جدا أن يتم خداع صاحب السيارة من قبل أصحاب الكراجات وورش التصليح، أما الحال في الوكالة فهو مختلف من حيث الثقة والضمان ووجود قطع أصلية وقيام خبراء بتركيبها وضبط اتزانها مع غيرها من القطع، ومع كل انظمة السيارة ولكن لكل حركة ثمنها.
ويلفت الحربي الى أن تركيب قطعة مقلدة سريعة التلف قد يجبرك على إعادة الكرة مرة اخرى وتحمل خسائر إضافية، ويبين أن انتشار القطع غير الاصلية يأتي من باب البدائل وحرية الاختيار أمام اصحاب السيارات ولا أحد يجبر احدا، وما دام الشخص هو الذي يقرر نوعية القطعة وليس فني التصليح فإن المسؤولية تقع على صاحب السيارة، ومما لا شك فيه ان تركيب القطعة الاصلية فيه راحة نفسية واطمئنان على الرغم من ارتفاع ثمن القطعة الاصلية وارتفاع أجرة تركيبها، وهذا افضل بكثير من الوسوسة، ويؤكد أنه لا مشكلة مع من يقول ان هذه قطعة مقلدة او تجارية إنما المأساة هي وجود من يبيعك القطعة التجارية على أنها أصلية وبنفس ثمنها فهذا خداع واحتيال وإضرار بالمال والنفس.
القطع التجارية الأكثر انتشارا
في الأسواق
تأتي فلاتر الهواء والزيت في المركز الأول بالنسبة لقطع الغيار المقلدة والتجارية في الأسواق، تليها فرامل الأقمشة وأنواع من الزجاج الأمامي الذي لا يقاوم الكسر او التناثر، ثم مضخات البنزين والبلاكات والبواجي، حسبما قال فني في ورشة خاصة لتصليح السيارات، موضحا أنها قطع تنتجها شركات متخصصة طبقا لمواصفات عالمية غير قياسية، فهي لا تناسب جميع أنظمة احتراق الوقود في السيارات وأحوال الطقس والحرارة التي تختلف من بلد الى آخر، ولا تخضع هذه القطع لرقابة أو تفتيش الوكالات الصانعة للسيارات، ولا تحمل اسمها ويتم تسويقها عن طريق الشركة المصنعة لقطع الغيار دون أية مسؤولية على الوكالات، ولهذا تقوم بعض الوكالات بتحذير مستخدمي سياراتها من تلك القطع المغشوشة.

القانون الكويتي يكافح الغش التجاري
حرص القانون الكويتي على مكافحة جميع أنواع وأشكال الغش التجاري التي قد يقوم بها أفراد أو مؤسسات عن طريق تقليد الأسماء أو العلامات التجارية للشركات الصانعة للسيارات ولقطع غيارها لأنه من أخطر أنواع الغش والخداع الذي تقوم به بعض الشركات الآسيوية الكبيرة، وخاصة أنها تطرح إنتاجها على أنه قطع أصلية، واحيانا يكون التقليد خداعا في الشكل وحروف الكتابة إلا أن هذه القطع لا يتناسب سعرها ومستوى جودتها مع مستوى إنتاج الشركات الصانعة للسيارات، ويندرج هذا النوع من البيع تحت طائلة الغش التجاري، ويستطيع المستهلك مقاضاة الجهة التي عرضته للغش وفقا لأحكام القانون.

أرقام تسلسلية .. لخداع الزبائن
أحد الموظفين في وكالة معتمدة لبيع السيارات وقطع غيارها أكد أن طرق وألاعيب الغش التي يمارسها كثير من باعة القطع المقلدة على أنها أصلية لا تكتشف إلا عن طريق المختصين وأصحاب الخبرة، حيث يقوم الباعة بوضع الملصقات الخاصة بالمنتج المعتمد عالميا على كراتين قطع الغيار المقلدة لتبين للمستهلكين الأرقام التسلسلية التي توضح بأنها أصلية، وأشاد بدور وزارة التجارة والصناعة وحماية المستهلك في مكافحة هذه الظاهرة.

تحالف عالمي ضد المنتجات المقلدة في قطاع السيارات
ظهر مؤخرا تحالف هو الأول من نوعه عالميا ضد المنتجات المقلدة في قطاع السيارات، ويهدف الى محاربة تفشي بيع قطع الغيار غير الأصلية في منطقة الشرق الأوسط وتعزيز مستوى الوعي حول المشكلة. ويضم التحالف شركات أودي وبي إم دبليو ودايملر كرايسلر وجنرال موتورز وهوندا وميتسوبيشي ونيسان وتويوتا. وتخطط هذه المجموعة الآن للتأثير بصورة قوية في أسواق الكويت والسعودية وباقي أسواق الشرق الأوسط، لكن برنامجها الأولي يتركز في الإمارات بصفتها مركزا رئيسيا للتصدير وإعادة التصدير في المنطقة.
وقال المتحدث باسم التحالف إدوارد هارد كاسل: إن الدراسات أظهرت أن أكثر من 30 % من المتاجر التي تمت زيارتها في الإمارات تبيع قطع غيار مقلدة مما يؤكد انتشارها وخطورتها على المجتمع، ويهدف التحالف الى تنسيق الجهود لمحاربة هذه المنتجات.

No comments

Powered by Blogger.