«زنا المحارم».. يخرج عن الصمت

زنا المحارم، أنماط عديدة من العلاقات المحرمة يجري خلالها انتهاك الصلات التي تعارف البشر على اعتبارها عنواناً للحب غير المشروط بغايات أو رغبات جسدية، ورمزاً للاحتواء والتفاعل البعيد كل البعد عن شهوانية الجسد.

ربما يكون هذا موضوعا شائكا أو صادما، ولكن هذا لا ينفي كونه حقيقيا وصادقا، فقبل نحو عامين وجدت نفسي في موضع المستمع لاعترافات فتاة لم تتجاوز التسعة عشر عاما. قالت: إنها ليست عذراء، وأن الذي افقدها عذريتها هو خالها، مع الوقت اكتشفت أن الفتاة ليست وحدها، وأن ما اصطلح على تسميته «زنا المحارم» هو ظاهرة مسكوت عنها في المجتمعات العربية، ولكن من يجرؤ

على الكلام؟

أنماط عديدة من العلاقات المحرمة يجري خلالها انتهاك الصلات التي تعارف البشر على اعتبارها عنواناً للحب غير المشروط بغايات أو رغبات جسدية، ورمزاً للاحتواء والتفاعل البعيد كل البعد عن شهوانية الجسد. كثير من الحكايات سمعناها من أفواه أصحابها أو اعترافات مرضية لأب يراود ابنته عن نفسها.. وأحداث طفولة مؤلمة تنسل من ذاكرة إحدى الفتيات التي تعرضت على مدى سنوات طويلة للاستغلال الجنسي على يد خال أو عم أو ربما كليهما، وهو ما يمكن اعتباره أعراضا لأمراض نفسية ولاضطرابات في المفاهيم الاجتماعية يجب الالتفات إلى علاجها. من باب المسؤولية الاجتماعية تلقي «أوان» الضوء على هذه القضية الحساسة وتناقشها بجرأة وواقعية.

يعترف الشاب (س.ص) في السنة النهائية من المرحلة الثانوية أنه ظل يتعرض للتحرش الجنسي من عمه لسنوات طويلة كان قد عاشها في منزل ذلك العم بعد وفاة والده. ويقول: إنه استغرق سنوات طويلة ليفهم أن ما يتعرض له لم يكن طبيعياً، ولم يكن لهواً بريئاً بين أفراد الأسرة الواحدة. ويستذكر الشاب بأسى وألم شديدين تلك الخبرات المؤلمة، كما يستذكر كذلك موقف والدته السلبي عندما حاول أن يبلغها بما كان يجري له من استغلال وتحرش على يد العم، وكيف طلبت منه أن يصمت، وألا يفاتح أحداً في الموضوع حتى لا يلحق العار بالأسرة وسمعتها!

تعاطي المخدرات

في دراسة شملت 170 شخصا ارتكبوا زنا المحارم، تبين أن 38 % كانوا مدمنين وأن 15 % تناولوا الخمر وأنواعا أخرى من المخدرات، إذ إن هناك علاقة واضحة بين زنا المحارم وتعاطي المخدرات. ففي زنا المحارم كثيرا ما يكون الجاني هو السبب في إدمان الضحية للمخدرات، متخذا من ذلك وسيلة لجعلها مهيأة للدخول في العلاقة بأقل قدر من الرفض والمقاومة.

كما حدث في قصة (سامي) الذي توفي والده وهو ابن عشر سنوات، ولم يكن يعلم أن مشاعر الحنان الفياضة والمعاملة الرقيقة التي أغرقه بها عمه -الذي يشاع عنه تورطه في أعمال مشبوهة وتعاطيه للمخدرات- ما هي إلا مقدمة لاغتيال طفولته البريئة، ولم يخطر بباله أن الهدايا التي كان عمه يغدق عليه بها ما هي إلا استدراج لجريمة اعتداء بشعة، لقد كان في بعض الأحيان يناديه بابا لشدة تعلقه به. ولكن فجأة وبلا مقدمات وبلا سابق إنذار يصاب هذا العم بعمى فكري وأخلاقي ووجداني، ويقع تحت سيطرة شهوة مجنونة ليتحول إلى ذئب ضال ينتهك بوحشية براءة ابن أخيه، لينتهك كل المعايير والقيم والأعراف ويسبب في تصدع نفسية طفل وتشويه بنائه النفسي، ليفقده المقدرة على العيش بصورة طبيعية. وعندما بدأ الطفل يتقدم في العمر، خشي العم أن يفقده، أو خاف أن يفتضح أمره، ما جعله يقوده إلى اتجاه الإدمان على المخدرات!

الخوف من الفضحية

(هدى.ع) في العشرين من عمرها عاشت أخت وحيدة بين إخوتها السبعة، بعد أن تزوجت أختها الكبرى، وهي لم تبلغ بعد عامها العاشر. كانت الأولى على طالبات صفها حتى الأول المتوسط.. فجأة أصبحت تحصل على علامات متدنية، ولم يهتم أحد بالأمر لا المدرسة ولا الأهل. بقيت تجر الصفوف حتى الصف التاسع، إذ بدت عليها علامات الاضطراب النفسي الذي ينحوا باتجاه الاكتئاب، ما حدا بالمدرسة إلى تحويلها لاختصاصي علاج نفسي بدأ بمعالجتها، وتتبع فصول قصتها، ليصل إلى الحقيقة المؤلمة.. هدى تعرضت لاعتداء من قبل أخيها.. الأمر الذي أقرته طبيبة النساء أيضا.

وكانت صدمة (هدى) كبيرة في رد فعل الأسرة، فالأم لم تحرك ساكنا، ولم تثر، ولم تغضب ولم تولول.. وكأنها كانت.. تحس بذلك، ولكنها آثرت شيئا ما.. وهو أن تأمر ابنها بالصمت خوفا من الفضيحة. أما الإخوة فقد عقدوا اجتماعا للتأكد من أن الاعتداء تم من قبل الأخ وإلا.. فهي تستحق العقاب، ولما تأكدوا أن الأمر تم من قبل الأخ صمتوا صمت أهل القبور، وما كان منهم إلا أن منعوها من الاستمرار في العلاج النفسي!

قصة أخرى

(ريم.ف) لم تكن الابنة الوحيدة لوالديها، بل هي صغرى إخوتها وأخواتها الذين تزوجوا جميعا، والتي تبلغ من العمر خمس سنوات، كانت شاهدة على خلاف كبير نشب بين أمها وأبيها تركت على إثره والدتها البيت متوجهة إلى بيت أهلها، تاركة طفلتها مع والدها.

مر الأسبوع الأول والثاني والثالث ولم ترجع الأم لبيتها ولم يحاول زوجها إرجاعها، أو إصلاح ما بينه وبينها بحجة أنها هي التي تركت البيت ولم يطردها هو، والمفروض أن تعود لوحدها كما خرجت وحدها، وبقيت الطفلة برفقة والدها. حتى حدثت الصاعقة وتم الاعتداء من قبل الوالد لتهرب الطفلة من بيتها إلى أمها لتنبئها بالخبر، حيث لم تتمالك الأم أعصابها بل انهارت وأصيبت بنوبة قلبية. أما الطفلة التي تعاني من نوبات خوف وكوابيس مفزعة، فهي في مراحل علاجية مكثفة من قبل الإختصاصيين.

مسؤولية من؟

يقول اختصاصي العلاج النفسي في وحدة علاج الإدمان في مستشفى الطب النفسي شاهر سليم: إن الاعتداء الجنسي بصورة عامة عبارة عن جريمة عنف، وهو من أصعب المشكلات الاجتماعية ذات الأساس النفسي. وإن أصعب أنواع الاعتداءات تلك التي تحصل داخل الأسرة، والتي تشكل خرقا لجميع المعايير الشرعية والاجتماعية والإنسانية. ويضيف «عادة ما تكون الضحية الطفل أو المراهق الذي لا يملك قدرة الدفاع عن نفسه، وغالبا ما تكون الضحية لم تكتمل أطوار نضجها بعد، بحيث تستغل من قبل الأب أو الأخ وتتعرض لتهديد جسدي ونفسي وابتزاز عاطفي، ما يجعل حجم الضرر الذي يحصل للضحية وعلى المستويين النفسي والجسدي كبيرا وضخما جدا وأحيانا يصعب وصفه».

ويشير د.سليم إلى أن الطفل يتربى ومنذ نعومة أظفاره على طاعة الكبار، كذلك يشعر الطفل ومنذ صغره بحاجته إلى رعاية الكبار جسديا ونفسيا واجتماعيا، وهذا الاعتماد والتواكل من قبل الطفل للبالغين يتراوح بين التواكل المطلق في مرحلة الرضاعة والاستقلال والمسؤولية الشخصية في مرحلة البلوغ.

ويردف قائلاً: إن التواكل بموجب مفهوم الطفل هو أن الآباء دائما وأبدا يعرفون مصلحة أبنائهم، التالي فإن على الطفل أن يكون على ثقة تامة بهم، وهذا الأمر يساعد على استغلالهم، وهناك أيضا عوامل تتعلق في عدم النضوج النفسي والفكري وخاصة أطفال حتى عمر ست سنوات، حيث يمكن إغراؤهم وجذبهم بسهولة. فلا يستطيعون الكشف عن الاعتداء، إما لعدم إدراكهم بالذي حصل، أو أن الاعتداء تم في ظروف سرية، أو تكون الضحية مهددة بعدم إفشاء الأمر بوسائل إرهابية مختلفة، مبينا أن قسما كبيرا من الضحايا المراهقين يمتنعون أو يتخوفون من الحديث عن الاعتداء، وذلك نتيجة استشعارهم بحجم المأساة التي سببت لديهم تصدعا نفسيا كبيرا.

شخصية المعتدي

وفيما يتعلق بشخصية المعتدي، يقول: إن قضية الاعتداءات الجنسية داخل الأسرة، هي قضية في منتهى التعقيد، حيث لم يستطع رجال العلم والاختصاصيون معرفة الأسباب المحددة لنفسية المعتدي، حيث تضاربت الأسباب وتضاربت التفسيرات، إذ يعتقد البعض أنها تتعلق بظروف ونشأة المعتدي منذ مرحلة الطفولة المبكرة أي من الولادة إلى عمر ست سنوات. وذلك إذا ما تميزت نشأته بالقسوة في التعامل من قبل الوالدين، أو الإيذاء النفسي الذي تلقاه في جيل مبكر، حيث يكون المعتدي قد تعرض لاعتداءات متكررة، ولم يتم علاجه في حينها، ما رسّخ هذا السلوك في نفسه، ليكرر نفس هذا النمط مع غيره عندما شعر بالقدرة على ذلك، ومن المهم أن نذكر أن هذه الممارسة من قبل المعتدي تكون تلقائية جدا، وذلك بسبب أن الحواجز والحدود قد أزيلت منذ صغره أي في الوقت الذي تم الاعتداء عليه، «ثبت أن معظم الذين يشتغلون في تجارة الزنا، كانوا ضحايا لاعتداءات جنسية، ويمكننا القول: «إن المعتدي قد يكون ضحية منذ صغره من قبل الأب أو الأخ أو أي إنسان آخر شعر بعد إزالة الحواجز في صغره أنه يستطيع الممارسة مع أخته أو أي من محارمه».

وبخصوص الأضرار التي تلحق بشخصية المعتدى عليه وبنائه النفسي يشير د.سليم إلى تدن في مفهوم الذات واكتئاب مستمر. نوبات خوف وتنعكس بشكل كوابيس واضطرابات في الأكل. وشعور بالعداء تجاه الوالدين وخصوصا الأم، فضلا عن صعوبة الثقة بالآخرين وصعوبات جدية في التكيف للحياة الزوجية، «بعض حالات الزواج انتهت بالطلاق أو العكس فقد تمارس الضحية السلوك الجنسي بشكل قسري والذي قد يؤدي بها إلى ممارسة الزنا، إضافة إلى الشعور بالعجز والحيرة، وهذا ينبع من شعور الضحية أنه لم يستطع الدفاع عن نفسه، كذلك شعوره بفقد ملكيته على جسده». ويؤكد د.عيد «تزداد حدة هذا الشعور كلما تكرر الاعتداء والتهديد والتخويف الذي يمارس ضد الضحية إن كشف الأمر. لذا فغالبا ما يفضل الضحية عدم كشف السر، ولكنه في نفس الوقت يعيش بحجم كبير من المعاناة. وصعوبة التواصل مع الآخرين والخوف من العلاقات الحميمة، لأن الضحية قد تفسرها على أنها اعتداء أو مقدمات للاعتداء.

كلمة أخيرة: قضية الاعتداء داخل الأسرة بكل أبعادها ظاهرة مفزعة يجب أن تستوقفنا وتهزنا هزا عنيفا وتأخذ مساحة من تفكيرنا واهتمامنا حتى نتمكن من إعطائها ما تستحقه من التركيز والمعالجة، حتى نتمكن من العودة إلى فطرتنا الطبيعية.