احجار كريمة مسكونة

الأحجار الكريمة، الشراء والمقايضة، جمال الحجار، الدنانير، حجارة كريمة
منذ قدم التاريخ والأحجار الكريمة تقوم مقام العملة، فاستخدمت للشراء والمقايضة، وقد تمتع الذهب بمكانة خاصة لجماله وبريقه الأخاذ، واعتبر رمز الغنى والجاه، وهو يستمد مزيداً من قيمته من خلال قيمة الأحجار الكريمة التي ترصع عليه وتنقل لنا الأساطير والحكايات الشعبية القديمة عن تقديم الجواهر، والأحجار الكريمة، إلى الحكام، إظهاراً للولاء أو لقضاء المصالح الخاصة..!! ومعروفة قصة علي بابا والأربعين حرامي، عندما اكتشف علي بابا المخبأ السري للصوص، واستولى على الجواهر والأحجار الكريمة، وأصبح بعد ذلك من أعيان وأثرياء المنطقة، أو قصة علاء الدين والخاتم السحري، الذي ما إن تفرك الحجر، حتى يخرج لك منه المارد، بجملته الشهيرة «شبيك لبيك، عبدك بين ايديك». 

والأحجار الكريمة تحتفظ بالكثير من الأسرار التي يتفاعل معها البعض ويؤمن ويتفاءل بها، ويسعى لاقتنائها، ويقوم البعض بجمعها وتتبّع أجودها وأنقاها، وذلك إمّا لمتعته الشخصية، أو للمتاجرة بها، فالأحجار الكريمة تصبح ذات قيمة عالية عندما تكون قديمة أو نادرة، وهناك المزادات العالمية التي تقوم بطرح هذه الأحجار النادرة للبيع بأسعار خيالية، قد تصل لملايين الدنانير، وذلك بسبب قيمتها التاريخية، كجواهر التاج لقيصر روسيا، أو ملكة بريطانيا!!

ومعظم من يؤمن بالقوة الخفية للاحجار الكريمة هم من النساء بشكل عام، والمرأة تحرص أن تتزين وتلبس من هذه الأحجار ما يقيها عين الحاسد أو ما يجلب لها الطمأنينة وراحة البال، وأيضاً هناك شباب يقتنون الأحجار التي تساعدهم على كسب ود وحب فتاة ما أو ربما إيهامها أن تلبي طلباته واحتياجاته بحجة السحر أو الوهم وبعضهم لتخليص معاملات وما إلى ذلك، والغريب انه مايزال حتى الآن عدد غير قليل من الناس يؤمن بأن هذه الأحجار تسكنها مخلوقات خارقة القدرة، تقوم بمساعدة حاملها ليصل إلى مبتغاه!

قوى خفية

ومن هذا المنطلق وجد بعض التجار طريقهم لتحقيق الربح والكسب المادي في بيع الأحجار الكريمة بأسعار عالية جداً، نظراً لقيمتها الجمالية وندرتها وصفائها، أو حسب قدرتها العلاجية والمعتقد الفكري، فقام بعضهم بالتلاعب بمشاعر الناس، وجعلهم يعتقدون بالقوة الخفية التي تحملها تلك الأحجار الكريمة، بالرغم من التطور العلمي وعصر التكنولوجيا والإنترنت والتنوير الأخلاقي، إلا أنّ هناك مَن يعتقد بوجود أسرار وقوة خفية تحكم هذه الأحجار، فيحرض على اقتنائه، وبالمحافظة عليه والدفاع عنه من أي مكروه، لاعتقاده بأن هذا الحجر يجلب له السعادة والحظ، ويجب ألاّ يصيبه أي ضرر ليستمر بعطائه!

تذكر بعض الكتب أن الأحجار الكريمة لها علاقة وطيدة بالتركيب الكيميائي للإنسان، وأن كونهما خلقا من الأرض، فإن الاتفاق بين الإنسان وبين حجر معين يحمل صفات معينة، يجعل من الممكن إيجاد العلاج لأمراض كثيرة يشتكي منها الناس، ولا يجدون لها علاجاً عن طريق الأطباء، وقد تعود هذه النظريات إلى الحضارات القديمة مثل حضارة الفراعنة، وحضارة بلاد الشام وبابل، وشرق آسيا والصين، وأيضاً أفريقيا وقبائل الهنود الحمر التي لايزال أفرادها يستخدمون العلاج بالأحجار.

الأحجار الكريمة أنواع مختلفة منها ماهو ثمين ونادر جداً كالألماس، والياقوت، والزفير، والزمرد، والفيروز، والعقيق، واليماني، والحجر السليماني، والمرجان واللؤلؤ، والكهرب، ومنها ماهو أقل ثمناً وقيمة.

عمليات النصب

يقول حسن العليوي (تاجر أحجار) إن السوق جمع الكثير

من التجار الذين يحاولون تسويق البضائع بشكل غير صحيح، فمنهم من يبيع الأحجار الصناعية أو (السنتاتيك) على أنها أحجار أصلية ذات قيمة عالية، ولأن معظم الزبائن ليس لديهم الخبرة الكافية للتفريق بين الأحجار الصناعية والأحجار الطبيعية، فإنهم لا ينتبهون لهذا الأمر إلا في حالة بيع الأحجار مرة أخرى، ليتفاجأوا بأنهم وقعوا ضحية النصب، ومنهم من يبيع الأحجار على أنها من أفضل المصادر، وأنها أجود الأنواع الموجودة في السوق، ولكنها في الحقيقة ليست سوى نوعية رديئة، ليس لها من يشتريها، وهذا الأمر جعل الناس تأخذ الفكرة الخاطئة عن تجار الأحجار الذين يكافحون من أجل الإبقاء على مهنتهم، وعدم تعرضها للكساد.

ويستطرد: هناك زبائن يقومون بشراء الأحجار من سوق المقاصيص بأثمان بخسة، والسبب في ذلك يرجع لعدم وجود إيجار لأصحاب البسطات هناك، مما يجعل مهمة أصحاب المحلات النظامية صعبة في البيع بأسعار مناسبة، فهم يعانون من زيادة الإيجارات، كما أن غلاء المعيشة يضطرهم إلى رفع أسعار البضائع لتغطية مصاريفهم.

ويؤكد العليوي أنه يحرص على اقتناء أفضل أنواع الأحجار الكريمة في محله، من خلال تنقلاته في بقاع العالم المختلفة خصوصاً في شرق آسيا وشراء الأحجار من موطنها الأصلي، وأيضا يتأكد من النوعية من خلال الفحص الدقيق لكل قطعة يشتريها ويقوم بعرضها، وخلال حديثه عرض حجرا من (الأكوا مارين) عرض في مزاد على الإنترنت، وصل سعره إلى ثلاثة آلاف دينار كويتي، وذكر العليوي أنه لا يعتمد على الزبائن العابرين، ولكن لديه زبائنه الخاصّين الذين يعتمدون عليه بإحضار أفضل وأجود أنواع الأحجار الكريمة، والتي يحرص على جلبها من أي مكان في العالم لأجلهم.

مسابيح اليسر والكهرب للرزق

يشيرالحاج جبّار(موزع أحجار كريمة) الى أن السوق لم يصل الى مستواه المطلوب، وليس هناك مبيعات تغطي مصاريف المحلات، وعزا هذه الحالة لأسباب منها عدم وجود المعرفة الجيدة بالأحجار وقيمتها المعنوية والمادية، وأن معظم الزبائن الذين يقومون بالشراء فعليا هم من كبار السن والنساء، كما أن بعض الزبائن الآن يبحثون عن المظاهر فقط ولا ينظرون للنوعية.

ويلفت الى أن الزبائن يأتون ليتفرجوا فقط دون الشراء، ومنهم من يفاصل ويحاول أخذ القطعة بأبخس الأثمان، كما أن بعض أصحاب المحلات يبيعون بأسعار متدنية تحت مسمى (فاتحة الخير)، وهو الذي يجعل من مهمة أصحاب المحلات الأخرى شبه مستحيلة، لأن الأحجار نفسها موجودة لديهم ومكلفة ويتم بيعها في محلات أخرى بأقل من رأس المال المدفوع، مما يضطرهم إما للبيع بخسارة أو عدم البيع نهائيا، كما أن هناك بعض «المتطفلين» الذين يقومون بشراء الأحجار من محلات خارج السوق بأسعار رخيصة، ويعرضونها للبيع أمام المحلات، بأسعار أرخص من المحل نفسه، وبذلك يقوم الزبائن بالشراء منهم وترك أصحاب المحلات يضربون كفوفهم حسرة ودهشة!

يتذكر الحاج جبار الزمن الجميل، حين كانت مسابيح اليسر والكهرب، وهي مسابيح تجلب الرزق والبركة، حصرية على كبار الشخصيات، لندرتها وقيمتها العالية، حيث كان من يدخل الديوان وبيده مسباح اليسر، يعرف بأنه أحد الشخصيات المهمة في المجتمع، أما الآن فإن المسابيح لا تجد من يحملها، والبعض يكتفي بالمسابيح البراقة واللامعة دون النظر إلى قيمتها!

«السوم» في أغلب الأحيان وهمي

وفي محل آخر عرض التاجر عدنان الموسوي... مجموعة

من أفضل أنواع الخواتم والأحجار لديه، وذكر أن بعض هذه الخواتم تناقلتها الأجيال من القدم، وبعضها يصل عمره لمئات السنين، وعرض علينا خاتما من العقيق الأحمر اليماني القديم، وصل سعره إلى خمسمئة دينار كويتي، وآخر سليماني، عرض على صاحبه عشرة آلاف دينار كويتي، ورفض أن يبيعه! وعند سؤاله عن سبب عدم بيع هذا الخاتم بهذا السعر الخيالي، ذكر بأن هذه الأسعار تسمى بلغة السوق «السوم»، وأنها في أغلب الأحيان تكون أسعارا وهمية، ليقتل البضاعة أو «يموّتها»، وبذلك يضطر صاحب البضاعة لبيعها بأي سعر كان إذا اضطر لذلك!

وقام بعرض آخر لأحجار

من العقيق المصور، وهو نوع من العقيق يقال إنه يصوّر ما رآه في تكوينه الأول منذ آلاف السنين، وكان من بين هذه الخواتم، عقيق فيه لفظ الجلالة، وآخر فيه صورة الكعبة المشرفة، وآخر بصورة صقر، والكثير من الصور، بعضها واضح والبعض لا تكاد تميّزه.

خرز للمحبة وآخر للزواج:

وفي ناحية أخرى من السوق، يعتقد أبو عبدالله، إن الأحجار لها سر علاجي وبعضها ينفع لقضاء الحوائج، وذكر منها ما هو معروف لدى العامة، مثل الفيروز والذي يقي من العين والحسد، ومنها ما يعتمد على القراءات والطلاسم، التي يقوم بها أبو عبدالله نفسه، ولقد قام أبو عبدالله ببيع بعض الأحجار التي ساعدت زبائنه في الزواج، والحمل، وفك السحر والعين.

ويضيف أن الأحجار الكريمة لها قوتها الخاصة، والتي تتماشى مع كل شخص على حدة، فهي تقوم بإعطائه القوة الجسدية، أو تفتح له أبواب الرزق، أو حتى تجعل الناس يقومون بخدمته دون جهد يذكر.

ويذكر منها بعض الأحجار التي تسمى (خرز )، والتي يصل سعرها إلى مئات بل آلاف الدنانير، وهي أحجار كريمة يقوم الشخص الروحاني، مثل أبو عبدالله، بغسلها بماء الورد والعود، ثم يقرأ عليها الطلاسم والأدعية الخاصة، ليلا وفي خلوته، ويستدعي الجن ليسكنوا في هذه الأحجار ويطلب منهم خدمة من يحمل الأحجار، أو يأمرهم بخدمة شخص معين لغرض معين، وهذه العملية تسمى (التبييت)، ويختلف سعر الخرز حسب الغرض المطلوب، فالمحبة مثلا بـ200 دينار، والزواج بـ150، وتخليص المعاملات بـ300 دينار! وبعد إلحاح شديد، قبل أن يرينا بعض هذه الأحجار لنصورها، وذكر بأن هناك ما يسمّى بـ (عرق السواحل)، والذي بحسب قوله: ينفع لأي شيء (بتاع كله)، وأن سعره يصل إلى مئة ألف دينار!!!