توبيخ الزوجة...

الزواج شراكة حياة، لا تستقر ولا تستمر ما لم يشعر كل من الزوج والزوجة بحاجته الأكيدة للآخر، وباحترامه لشريكه، والتعبير عن هذا الاحترام بحب وتقدير، وتصاب هذه الشراكة الحساسة بالعطب عندما يظن طرف من الطرفين أنه متميز عن الآخر، أو متفوق عليه، ويمتلك حق توجيه النقد إليه، بل وتوبيخه إن اقتضى الأمر، وإهانته في مرات كثيرة، ولو على رؤوس الأشهاد، وهنا تصبح هذه الحياة شراكة عذاب، وخيبة مابعدها خيبة.

انتقاد الزوج زوجته أو توبيخها والسخرية منها وإهانتها هو أقصر الطرق إلى نهاية مفجعة للزواج، فهل يرغب أحد بمصير كهذا؟
امتلأت عينا (نورة) بالدموع وتملكتها الغصة الخانقة، وهي تتحدث لطبيبها النفسي عن معاناتها مع زوجها الذي لا يتورع عن توبيخها في كل عمل تقوم به، وبعد لحظات صمت حزينة تتابع بحرقة: «أسوأ ما يقوم به زوجي هو توبيخي أمام أقاربه، فاتمنى لو أن الارض تنشق وتبتلعني من شدة خجلي، ولهذا قررت أن أنفصل عنه واترك هذه العيشة الذليلة».
وتشكو أم نواف من إحراج زوجها وتوبيخه لها باستمرار امام أبنائها، ما افقدها شخصيتها امامهم، فاصبحوا لا يعترفون بوجودها في البيت ولا يحترمون لها رأياً.
وتقول هنادي إن زوجها لا يوبخها، لكنه ينتقد اغلب تصرفاتها، الحسن منها والقبيح، مضيفة أن هذا «يؤرقني واشعر انه لا يهتم بمشاعري عندما ينتقدني، ولقد نبهته كثيراً بان هذا الانتقاد الدائم يجرح مشاعري، لكنه يعود الى الانتقادات مرة اخرى».
اما حصة فتقول ان اغلب الرجال لا يهتمون بمشاعر زوجاتهم، فإن لم يوبخ الزوج زوجته فهو يتجاهل مجهوداتها ويعتبرها واجبات لا بد ان تؤديها، مضيفة ان زوج صديقتها اعتاد ان يقول لزوجته «يالنسرة»، ومن كثرة ما سمع أبناؤه هذا الاسم صاروا يرددونه لها عندما تعاقبهم.
حالات نورة وأم نواف وهنادي وحصة ليست استثناءات، بل إنها القاعدة، وما يخالفها هو الاستثناء، وإذا صبرت زوجات كثيرات على واقع كهذا فذلك لأنهن يخفن على مستقبل أسرهن ويفضلن الصمت امام اهانات ازواجهن حتى تعبر الاسرة الى بر الأمان،
الرأي النفسي
الدكتور محمد رشيد العويد الاختصاصي النفسي في مركز ثوابت للتنمية البشرية يقول إن «المشكلة تبدأ عندما يظن الزوج أنـه يمزح، ويضفي جواً من المرح حين يسخر من زوجته ومن شكلها وكلامها ورأيها وتصرفاتها واختياراتها، ولعله لا يعلم أنه يحدث جرحاً غائراً بداخلها قد لا يندمل سريعاً». ويؤكد د.العويد أن السخرية أحد معاول هدم عش الزوجية، وتقويض أركانها من أساسها، «وينبغي أن يمتنع عنها الزوجان طاعة لربهما أولاً، وحماية لزواجهما ثانياً، لقد نهى الله تعالى عن السخرية بقوله سبحانه: (لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنَّ خيراً منهن)، وعلينا طاعته تعالى، فنبتعد عن السخرية ونبعدها عنا، حيث تزيد السخرية في الألم والحزن خاصة عندما تكون أمام الآخرين، فحين يسخر الرجل من زوجته أمام أولادها فإنه بهذا يحرجها وينقص من قدرها. وكذلك حين يسخر منها أمام أهله فإنه بهذا يحرضهم عليها ويضعفها أمامهم ويفقدها احترامهم لها».
السخرية جارحة في الكلام والإشارة
ويضيف د.العويد أن عالم النفس الأميركي (جون غوتمان) درس الاختلافات العضوية بين كل من الزوج والزوجة، وتأثيرها على اتخاذ القرارات عند الطرفين، وقدرات التحمل عندهما، وذلك عن طريق إخضاعهما لأجهزة تسجل نسبة ارتفاع ضغط الدم لدى كليهما، وتعريضهما لكاميرات فيديو حساسة تلتقط كل إيماءة، ولو كانت طفيفة، وتأثيرها على الطرف الآخر عضوياً، واستطاع غوتمان في النهاية أن يتوصل إلى أن 94 % من حالات الطلاق الأكيدة تنتج عن النقد اللاذع وغير البناء، وليست الكلمات القاسية وحدها، ولكن لغة الجسم والوجه أيضاً لها تأثير مهلك ومميت؛ فعندما يقوم أحد الزوجين بإبداء علامات الازدراء أو اللامبالاة على وجهه فإن دقات قلب الطرف الآخر تتزايد وتتأثر بشكل سلبي.
وقد أثبت غوتمان، عملياً، أن زوجات أولئك الأزواج الممتعضين دوماً؛ هن الأكثر عرضة للإصابة بأمراض الأنفلونزا، وتساقط الشعر، والتقاط الجراثيم المعدية بشتى أنواعها، والإصابة بأمراض المعدة.
وأكد العويد أن الزوج الذي يسخر دائماً، ويهزأ باستمرار، يحبط زوجته، ويحرمها الأمان الذي تحتاج إليه لأداء مهامها الجليلة في إدارة بيتها ورعاية زوجها وأولادها.
«من واقع الحالات»
يوضح د.العويد من خلال واقع الحالات التي يتعامل معها أن أكثر ما تشتكي منه الزوجات هو انتقاص أزواجهن من قدرهن، وتقليلهم من أهمية ما يقمن به، واحتقارهم لشأنهن، والسخرية من آرائهن، وهذه أمثلة لأهم ما يسخر منه الرجال في زوجاتهم:
- ذوقها في الاختيار: لباسها، زينتها، مشترياتها المختلفة.
- طريقة كلامها ونطقها بعض الكلمات وعدم إتقانها لفظها.
- آراؤها في قضايا مختلفة.
- تربيتها أبناءها وطريقة اعتنائها بهم.
- طبخها، وصنعها للمشاريب المختلفة، وأطباق الحلوى.. وغيرها.
- أسرتها؛ أو أحد أفرادها: (أمها، أبوها، أخوها..).
ووجّه العويد نصيحة للأزواج قائلاً «بعض الرجال يقولون: هل نثني على ما تفعله زوجاتنا وإن لم يكن حسناً؟ ونقول لهؤلاء: ابدؤوا بتقدير جهد زوجاتكم فيما يقمن به، ثم أثنوا على الإيجابيات فيه بعد ذلك، يمكن أن تبينوا لهن ملاحظاتكم ومآخذكم بأسلوب رفيق لطيف يبدأ بمثل هذه العبارات: (هل ترين أن الطعام يحتاج إلى مزيد من الملح؟)، أو (لا أدري لو كان اللون أغمق قليلاً فلربما كان أفضل)، أو (ما رأيك لو تصالحين ولدك حتى لا ينام حزيناً؟).

No comments

Powered by Blogger.