الفنارات .. بنيت في الموانئ وتأثرت بها عمارة المآذن

عمارة الفنارات أحد أبرز مظاهر عمارة الموانئ إذ تكون مهمتها إرشاد السفن في البحار لرؤية الميناء من مسافات بعيدة، وقد أثرت هذه الفنارات في تزيين المدن الساحلية بمبانٍ على طراز الفنارات، أي فنارات مقلدة، ضمن مظاهر تجميل المدن مثل اللوحات الجدارية والتماثيل والنافورات في مداخل المدن والميادين وغيرها.
عمارة الفنارات أحد أبرز مظاهر عمارة الموانئ إذ تكون مهمتها إرشاد السفن في البحار لرؤية الميناء من مسافات بعيدة، وقد أثرت هذه الفنارات في تزيين المدن الساحلية بمبانٍ على طراز الفنارات، أي فنارات مقلدة، ضمن مظاهر تجميل المدن مثل اللوحات الجدارية والتماثيل والنافورات في مداخل المدن والميادين وغيرها.

أشهر الفنارات في التاريخ التي تأثر بها فن الفنارات في الموانئ في المدن الساحلية المختلفة بما لها من ارتفاع، حتى قيل إن الفنارات ضمن المؤثرات الرئيسة في إنشاء المآذن في المساجد لتجذب المارة بارتفاعها.

تُعد منارة الإسكندرية من أقدم وأشهر الفنارات في التاريخ حتى إنها كانت تُعد إحدى عجائب الدنيا السبع، وكان موقعها في الطرف الشمالي الشرقي لجزيرة «فاروس» في الإسكندرية، وقد بُنيت قلعة السلطان «قايتباي» مكانها لتكون إحدى الحصون الإسلامية التي كانت منتشرة في القرن الـ15 الميلادي، ومازالت أطلال المنارة غارقة بالقرب منها، وتم اكتشاف العديد من بقاياها. كانت للإسكندرية مكانتها العالمية منذ أن أنشأها الإسكندر الأكبر الذي كان هاوياً لبناء المدن الحضارية فأنشأها بعد أن دمر ميناء «صور» الذي كان قاعدة بحرية للفرس، وكان الميناء الرئيس في البحر المتوسط، ونظراً لمقاومة أهل صور للإسكندر ستة شهور فقد فيها الكثير، قرر معاقبة أهلها ببناء ميناء جديد يقام على أحدث طرق التخطيط العمراني وأن يطلق على المدينة اسمه.

الأولى في العالم

بُنيت منارة الإسكندرية في عهد الملك بطليموس (285-246 ق.م)، وهو الملك الذي عرف بلقب «أبو المنارات» إذ كلف مهندسه سوستراتوس «Sostratos» ببنائها في العام (280 ق.م) لتكون المنارة الأولى في العالم حتى أن كلمة فاروس- الجزيرة التي بُنيت عليها المنارة أو المنارة- أثرت في اللغات الأوروبية ومنها اشتقت كلمة «فارولوجي» للدلالة على علم المنارات أو الفنارات.

أما عن وصف بناء وعمارة منارة الإسكندرية فيقول أستاذ الآثار الإسلامية بكلية الأداب جامعة طنطا الدكتور حجاجي إبراهيم: إن المنارة أقيمت على الطراز البابلي بأبراج تتخذ النظام الهرمي، وقد أقيمت المنارة على قاعدة واسعة مربعة وكان مدخلها من الجهة الجنوبية ويؤدي هذا المدخل إلى درج، كان ارتفاعالطابق الأول 60 متراً وهو مربع الشكل وبه نوافذ ويضم بداخله 300 حجرة مخصصة للآلات ولإقامة العاملين في المنارة، وينتهي هذا الطابق بسطح في جوانبه أربعة تماثيل ضخمة من البرونز تُمثل «يري تون» ابن ني بتون إله البحار عند الرومان، وأما الطابق الثاني فهو مكون من ثمانية أضلاع وارتفاعه نحو 30 متراً، أما الطابق الثالث فكان مستديراً وفي قمة المنارة توجد «مجمرة» عظيمة يخرج منها عمود من النار وبداخل البناء سلم حلزوني مزدوج تتوسطه آلة رافعة تستخدم في نقل الوقود إلى المنارة التي ترتفع إلى حوالي 135 متراً وتنتهي بمرآة ومصباح.

أداء وظيفة

مواد بناء المنارة كانت من الحجر الجيري وهي أحجار منحوتة من محاجر منطقة «المكس» في الإسكندرية ومرمر وبرونز وأعمدة غرانيتية جُلبت من محاجر أسوان، وكانت المنارة مطلاة بالرصاص وبها قناطر من الزجاج، وكان في قمة المنارة مرآة ضخمة كاسرة للأشعة لتتيح رؤية السفن القادمة من مسافات بعيدة، وكان النور المنبعث من النار الموضوعة في قاعدة المنارة ينعكس من المرايا النحاسية كضوء يتجه نحو البحر، يُرى وكأنه نار طوال الليل ودخان بالنهار، وكان يتم إرشاد السفن بالمنارة لمسافة تصل إلى 70 ميلاً، وإن كانت هناك بعض المبالغات حتى قيل إن لضخامة مرآة المنارة يمكن من خلالها رؤية ومشاهدة كل ما هو موجود في مدينة القسطنطينية في تركيا «أسطنبول».

كما قيل إن بجانب المرآة كان يوجد تمثال يشير بإصبعه «السبابة» نحو الشمس أينما كانت، وقد ظلت هذه المنارة تؤدي وظيفتها حتى بعد الفتح العربي لمصر، إذ قام بترميمها ابن طولون العام (267 هـ - 880 م) وإثر الزلزال الشهير العام (702 هـ) قام السلطان الناصر محمد بن قلاوون بترميمها بل حاول بناء منارة مثلها ولكن الموت عاجله، إلى أن دمرها زلزال العام (750 هـ - 1349 م) وفقدت وظيفتها وقام السلطان قايتباي ببناء القلعة مكانها ما بين العامين (882-884 هـ) و(1477-1479 م)، وفي العام 1961م اكتشف الغواص المصري الراحل أبو السعادات آثاراً غارقة في منطقة قايتباي وقدم تقريراً للمتحف اليوناني- الروماني، ويعتقد أن من بين الآثار الغارقة بقايا وتماثيل من منارة الإسكندرية.

أنتشال تمثال

في العام 1963م تم انتشال تمثال لسيدة طوله 8 أمتار ووزنه 25 طناً من الغرانيت، وقد تواصلت الاكتشافات خصوصاً بعد العام 1992م بمشاركة البعثة الفرنسية للآثار الغارقة برئاسة جان إيف امبرير، إذ يعتقد وجود العديد من التماثيل تحت الماء التي نقلها ملوك البطالمة من منطقة هليوبوليس لتزيين الموقع حول الفنار، وكذلك يعتقد وجود بقايا قصور قديمة، وتبحث البعثة عن لوحة تذكارية كانت في واجهة المنارة ومنحوتة بأحرف يونانية ضخمة.

وقد طالب تقرير للمجالس القومية المتخصصة في مصر بالسعي من خلال التعاون الدولي ومنظمة اليونسكو بإعادة بناء منارة الإسكندرية بالقرب من قلعة قايتباي مثلما جرى لمكتبة الإسكندرية.

من الطريف أن عمود الصواري في الإسكندرية الذي أقامه حاكم الإسكندرية «بوستوموس» في القرن الثالث الميلادي في منطقة التل المقدس في كوم الشقافة بجوار معبد «سيرابيس» امتناناً بتوزيع القمح على السكان والاستقرار بعد التدمير الذي حدث في الإسكندرية فترة الإمبراطور دقلديانوس عام (290 م، وهذا العمود استخدم لضبط سواري السفن في اتجاهه إذ كان يُرى من مسافات بعيدة للسفن نظراً لارتفاعه.

هذا وقد أثرت منارة الإسكندرية في بناء فنارات الموانئ المختلفة ومن أشهرها منارة أو منارة أوستا-ostia - في إيطاليا كما بنيت منارة رشيد في مصر.

تأثيرات خارجية

أثرت فكرة بناء الأبراج في المنارة في تصميم بناء وعمارة المآذن، وأثرت في منارات بلاد المغرب العربي والأندلس، أما عن المنارة الموجودة في ميناء الإسكندرية فقد قام بتصميمها المهندس محمد مظهر في القرن التاسع عشر وهو أحد مهندسي القناطر الخيرية، وعن أهم الأعمال التجميلية على طراز الفنارات في مصر يقول عميد كلية الفنون الجميلة في الإسكندرية ومصمم معظم الفنارات في المدن الساحلية المصرية الدكتور محمد شاكر، إن تصميم الفنارات يتأثر بروح المنارات أو الفنارات القديمة، ومن نماذج الفنارات التي قام بتصميمها المنارة الأندلسية في المدخل الغربي في مدينة الإسكندرية، وقد جاءت الفكرة تخليداً لعبور الثقافة العربية الإسلامية من الشرق للأندلس ودول أوروبا عبر الإسكندرية التي كانت بمثابة بوابة ناقلة للحضارة في العصور الوسطى، وتتخذ المنارة المذكورة شكل العمارة الأندلسية وجدرانها مرصعة بالفسيفساء ونوافذها معالجة بالفسيفساء الزجاجية.

أما منارة «بورسعيد» فهي مستوحاة من الوحدات التصميمية التي تناسب شخصية المدينة ومنها المحافظة على التراث الكلاسيكي الموجود بتاريخ المنارة القديمة في بورسعيد حيث الروح الدولية التي تميزت بها المدينة بعد افتتاح قناة السويس العام 1869م.

معنى الفنار

في تصميم المنارة التجميلية تقنية باستخدام الزجاج المعشق في النوافذ وإضافة الفسيفساء، فعظمة التراث، كما يقول د.محمد شاكر، أن أسباب الحداثة موجودة في تراثنا من خلال استثمار الوحدات التراثية الراسخة في تاريخنا.

كلمة المنارة أو الفنار أو المنارة هي تعبير واحد لمبنى في الموانئ والمدن الساحلية لإرشاد السفن في عرض البحار، وإن كانت كلمة المنارة أو الفنار أكثر استخداماً في الموانئ، بينما كلمة المنارة يستخدمها بعضهم للتعبير عن المآذن خصوصاً في بلاد المغرب العربي.