الكاريكاتير فن إعلامي وصحافي بالدرجة الاولى مرتبط بقضايا الجماهير ومشاكلهم المختلفة، وهناك من يصفه بأنه فن البسمة أو السخرية، وهو فن الرأي الساخر، والفن الأقرب الى الجماهير بمختلف مستوياتهم، ومفردة كاريكاتير إيطالية الأصل
«caricature» وتعني المبالغة والمغالاة.
يوصف بالفن «الذكي» الذي يولد مع الإنسان بالفطرة، وكان دائما ومازال نظرة تهكمية غريزية تعتمد على دقة الملاحظة وسرعة البديهة، مع نظرة تنقب عن السخرية في المواقف، من خلال تقاطيع الوجه وتعبيرات الجسد، غير أنه مختلف عن الواقع ويهدف إلى الرمز في خليط من المبالغة مع الحفاظ على الشخصية والشبه في آن واحد.
ويمكن التعبير عنه بأنه رسم تخطيطي بسيط، وتعليق ساخر قصير يسفر عن ابتسامة واسعة، وإطلاق معاني بارعة لتسكن ذهن الإنسان وتجبره على التفكير فيما هو داخل دائرة الواقع، وتدعوه إلى تشكيل الدائرة من جديد بفكر وعقل جديدين من أجل واقع أفضل هذا هو هدفه.
ويعد الكاريكاتير خطابا إعلاميا شعبيا يسعى إلى تصوير أكثر المواقف السياسية والاجتماعية حرارة وقربا من الوجدان الإنساني، ويمتلك قدرة على اختزال مساحات شاسعة، فالصورة الكاريكاتيرية هي نص سيميائي.
ورغم المحاولات النسائية التي بدت واضحة في الآونة الأخيرة في عالم الكاريكاتير إلا أنها مازالت ضمن إطار المحاولة في الكثير من الأحيان، فحتى الآن مازال الرجال ممسكين بزمام هذا الفن المشاغب المليء بالسخرية اللاذعة، التي طالما أثارت حفيظة البعض، لكن ربما استطاعت بعض النساء خرق عالم الكاريكاتير، رغم ضآلة عددهن، فسمة الذكورية هي الغالبة في هذا العالم الساخر، وقائمة فن الكاريكاتير تفتقر حتى اليوم لمشاركات نسائية فعالة، رغم ان بعضهن استطعن إثبات قدرتهن على مجارات غريمهن الرجل في هذا المجال، إلا أن تجربتهن لا توازي التجربة الذكورية وبصورة أكثر عمومية، ذلك أن الساحة الثقافية بالمجمل مازالت ضمن قبضة الرجال.
رهام الهور، أول رسامة كاريكاتير في المغرب ترسم في مجلة سيتادين العربية تقول: «إن دخولي عالم الكاريكاتير كان له الدور الكبير في نجاحي في هذا المجال الذي ظل لسنوات حكرا على الرجال. وهذا ما جعلني أشاطر زميلاتي رسامات الكاريكاتير في الوطن العربي كأمية جحا ورشا مهدي وغيرهن، في إيصال صوتنا كرسامات كاريكاتير أولا وكنساء ثانيا، لكسر جدار الفارق النوعي المتمثل في الجنس الذي يكرم الرجل ويسخر من المرأة، ويحط من قيمة قدراتها في مختلف المجالات».
ولتغيير هذه الصورة النمطية التقليدية البالية تضيف رهام: «لم يكن بوسعنا إلا اللجوء إلى ممارسة فن الكاريكاتير الذي يخاطب العقل عن طريق إيصال فكرة بسيطة في الشكل عميقة في المضمون والرسالة، باعتماده على طابع السخرية اللاذعة لزعزعة كل ما هو هش يحجب عنا شمس الحقيقة مهما كانت مرة».
وتردف: «لهذا السبب جاء معرضي الشخصي الذي أقيم في سنة 2008 إحياء لذكرى اليوم العالمي للمرأة، تحت شعار (المرأة وقضايا المجتمع) لطرح بعض قضايا المرأة عموما والمغربية على وجه الخصوص، والتي مازالت بعض قضاياها يشوبها الصمت ويدخل في إطار الطابوهات المسكوت عنها بدعوى (حشومة) مثل: زنا المحارم، الاعتداء الجنسي، الأمهات العازبات، الطلاق، مدونة الأسرة المغربية، الخادمات، الزواج، الزواج العرفي، وغيرها من المواضيع التي تبدو فيها صورة المرأة متغيرة عن الصورة التي تعودنا رؤيتها، وهي إما بدينة متسلطة أو بدينة بليدة، وهي صورة ظالمة للمرأة التي لا تحظى بمكانتها المشرفة التي كرمها الله بها حتى الآن. ولهذا جاء استخدام المرأة في أعمالي الكاريكاتيرية لذاتها لمناقضة القضايا التي تهم المرأة، والتي لا يمكن أن يشعر بها إلا المرأة نفسها».
وترى رهام أن السخرية من المرأة في الكاريكاتير الذي لا يرى في صورة المرأة إلا جسمها أو شكلها هو في حقيقة الأمر دليل على قصر في النظر، ومؤشر قوي على ضرورة تغيير «النظارات» حتى تسترجع حاسة البصر.
أمر تلقائي
أما السعودية هناء حجار، وهي رسامة كاريكاتير في جريدة عرب نيوز ومجلة خليجية، فتقول: «إن استخدام المرأة أو الترميز لها في أعمالي الكاريكاتيرية أمر تلقائي لكوني إمرأة، ومن هنا يكون التفاعل مع قضاياها والتصدي لأزماتها، والتفاعل مع حقوقها ومطالباتها بطريقة ساخرة تصيب الهدف من خلال هذا الفن».
وتستدرك هناء: «أرسم المرأة أولا لذاتها وللوقوف معها وقول ما لا تستطيع قوله، خصوصا أنه لا يعلم خفايا المرأة وأسرارها إلا امرأة مثلها»، مبينة أن الرجل وضع المرأة في محيط ساخر لعقود طويلة، وإيجاد متنفس لذلك من خلال هذا الفن لإظهار سلبياتها ووصفها بطريقة ساخرة كمسرفة أو كسولة أو متسلطة، فيما أن بعض الرسامين تستند رسوماتهم إلى المرأة كعنصر أساسي للسخرية منها، دون لفت النظر للسلبيات والمعوقات التي تحيط بها.
حل سهل
أما رسامة الكاريكاتير المصرية دعاء العدل، والتي تعمل كرسامة كاريكاتير في جريدة المصري اليوم فتقول: «إن المرأة لدي رمز للقوة والتحمل ومحرك قوي للأحداث في بلادنا، والمرأة في رسومي مواطن ناضج يعرف ما يدور حوله، وينتقد سياسات لا تعجبه».
أما عن المرأة في رسومها فتقول: «إن المراة ليست مهمشة ولا رمزا للجسد والغواية فقط، وليست رمزا لكل المؤنثات المكروهة في تراثنا الكاريكاتيري، الحكومة امرأة والأسعار المتضخمة امرأة بدينة، والفساد امرأة لعوب ..إلخ»، مبينة أنها تعمدت الخروج عن تنميط صورة المرأة واستخدمتها لذاتها وتناولت علاقتها بالرجل من منظورها. واعتبرت السخرية من المرأة في الكاريكاتير حلا سهلا للرسام، وافتقارا للنضج والرؤية العميقة لمشاكل المجتمع السياسة والاجتماعية على حد سواء، وهروبا من التعبير عنها.
ومن جانبها تقول رسامة الكاريكاتير السورية عفراء اليوسف: «أحاول التعبير عن الإنسان بهمومه وآلامه ونواقصه بغض النظر عن جنسه، وعندما أرسم المرأة فإنما أرسمها لأنها فقط نصف الكائنات البشرية التي تعيش على الأرض، لا أبعاد أخرى ولا رموز مخفية».
ولا تعتقد عفراء أن هناك سخرية من المرأة في الكاريكاتير، لأنه ليس منبرا للسخرية من الأجناس، قد يكون الرسم يسخر من عيب أو بعض الخلل في طرائق التفكير في سبيل الحث على التطور، وليس التجريح الصرف «أو على الأقل هذا هو مفهومي عن الكاريكاتير المجدي والصحي إن صح التعبير».
ليست سخرية
ولأمل كواش رسامة الكاريكاتير شخصية كارتونية تدعى «ميرون» نسبة إلى قريتها «ميرون» في الجليل الفلسطيني المحتل، وكانت بداية أمل مع صفحة شباب الاسبوعية في جريدة السفير اللبنانية، فمازالت تنشر حتى اليوم، كما ترسم للمجلة الشهرية التابعة لاتحاد المقعدين اللبنانيين في بيروت، الى جانب إصدارات عدة في لبنان والعالم العربي بما فيها فلسطين. وتتابع أمل الآن دراسة الفنون الجميلة في لندن، حيث شاركت بأعمال فنية في معارض جماعية، بعد أن كان لها معرضها الأول في بيروت العام 2008 تحت عنوان «ميرون 48»، الذي ضم حوالي 50 عملا تظهر فيها شخصية ميرون بجديلتيها الطويلتين والقمر.
وتزامنا مع المعرض حازت أمل الجائزة الاولى في «حنظلة» لأفضل رسم كاريكاتيري حول النكبة، في مسابقة نظمتها مؤسسة المورد الثقافي في مصر. وتقول: «أنا أمثل المرأة بأشكال مختلفة في رسوماتي أبرزها بشكل الفتاة الظل «ميرون».
وترى أن هناك تفاوتا في المدلولات الرمزية لاستخدام المرأة في الأعمال الكاريكاتورية، فأحيانا تكون ببساطة ومباشرة المرأة العربية والمرأة الفلسطينية، الأم على وجه الخصوص. وتقول: «أحيانا تعكس المسائل التي تواجهها المرأة الشابة في المجتمع اللبناني، حيث إني من مواليد وسكان لبنان. أما ميرون، الفتاة ذات الجديلتين التي أرسمها، والتي تحمل اسم قريتنا في شمال فلسطين فقد بدأت كهويتي الشخصية، ثم اكتشفت أنها اكتسبت بعدا إنسانيا أشمل مع مرور الزمن، ووجدتها تخاطب النساء العربيات وغير العربيات. ربما لأن ملامحها المظللة ترسم لها ملامح أبعد من الإطارات. لا أعتمد ترميزا معينا مع ميرون بل من خلالها أقول ما أريد ويتغير تأويل العمل تبعا للرائي».
والكاريكاتير كما تراه أمل كواش فن ساخر في الأساس، والسخرية الكاريكاتورية تقوم بتسليط الضوء على مشكلة ما، وقد تنجح في أن تكون دليلا الى مشكلة مغمورة وربما سبيلا لمعالجتها، مضيفة: «إن السخرية قد تكون الطريقة الأخيرة للصمود ومواجهة الصعاب حين تضيق بالإنسان السبل لرد الظلم او تغيير ظروف سياسية أو اجتماعية قاهرة».
وتؤكد أن رسوماتها لا تسخر من المرأة بل على العكس تعبر عما يشغلها شخصيا وتحاول أن ترسم قضايا المرأة الفلسطينية والمرأة في العالم العربي. و«في حال وجدت السخرية من المرأة كاريكاتيريا، فأظنها تكون حاضرة أكثر في أعمال فناني الكاريكاتير لا فناناته، لأسباب تتصل بثقافة مجتمعاتنا العربية، كما تتصل بالطبيعة التاريخية للعلاقات بين الرجال والنساء».
مواضيع عامة
أما عامر رشاد وهو فنان عراقي عمل في صحيفة «الثورة» التي كانت لسان حال حزب البعث العربي الاشتراكي المقبور، فقد غادر العراق في بداية التسعينيات بعد أن تعرض وعائلته لضغوط كثيرة يقول: «رغم اعتزالي فن الكاريكاتير وخروجي من العراق إلا أن المواضيع التي أخص بها المرأة مواضيع عامة مثل أخيها الرجل، نحن من بلدان نامية تكثر فيها المشاكل الاجتماعية، وهذه البلدان خير حاضنة لخلق المفارقات التي تبعث على الهزل والدعابة وتصلح للنقد».
وبرأيه لا تختلف المرأة عن الرجل في الحياة العامة، فلكل من الجنسين أخطاؤه في التعامل اليومي. أي أنها مواطنة وتنتقد بحكم موقعها كعاملة أو ربة بيت وحسب نقطة الضعف في سلوكيتها أسوة بالرجل.
نساء اشتهرن في مجال الكاريكاتير :
- إدوانا دوم: أول امرأة تعيش كليا من أجورها لكونها رسامة كاريكاتير في الولايات المتحدة، وقد عاشت بين عامي 1894 و1990.
- ساين ولكنسون رسامة أميركية كانت أول امرأة تفوز بجائزة بولتز للرسم التحريري.
- إيتا هولم التي نشرت أعمالها في صحيفة فورت ورث ستار تلغرام، وقد فازت بجوائز الهيئة الوطنية الأميركية للكاريكاتير عامي 1981 و1991.
- كلير بريتشير رسامة فرنسية نشرت أعمالها في مطبوعة لو نوفل أوبزرفاتوار.
- كايت سالي بالمر رسامة أميركية فازت بجوائز عدة، وبيعت أعمالها وتمت إعادة نشرها في أكثر من 200 مطبوعة.
- أمية جحا أول رسامة كاريكاتير تعمل في الصحافة في العالم العربي، وهي عضو في جمعية ناجي العلي للفنون التشكيلية في فلسطين، واستطاعت أن تثبت جدارتها كرسامة كاريكاتير عربية.