يكثر الشجار بين الأزواج... وتتساقط أوراق الشجر من قسوة الكلمات... ويبكي الأبناء وينعدم الأمان.. ويخبو البريق.. وتزيد مساحة الصمت.. بهذه الكلمات القليلة.. أحدد قضية هذا الأسبوع والتي هي نتاج العديد من رسائل الاستنجاد لفهم أسباب البعاد والشقاق وكثرة اللوم والنواح!!
كما تعلمون فإن الأسرة هي تلك الوحدة الاجتماعية المتكونة من عدد من الأفراد يعيشون في منزل واحد يتفاعلون وفق مجموعة من الأسس والأهداف المحددة سلفاً لاستمرار الحياة الإنسانية بينهم، ولأنها مرتبطة بالإنسان فإن لها اعتبارات نفسية تقوم على المشاعر والروابط العاطفية والحنان وهو جوهر التفاعل داخل الأسرة.. هناك حقوق وواجبات وهناك أدوار محددة لكل فرد، هناك مطالب ومسؤوليات والكثير من التفاعل الاجتماعي الذي لن يتم إلا إذا كان التواصل بين الأفراد يأتي بشكل فعال ومؤثر في الطرف الآخر.
حتى يفهم الزوج مطالب زوجته وحتى يفهم الأبناء حقوقهم وواجباتهم وحتى يقدر كل فرد ما المطلوب منه لابد أن تكون قنوات الاتصال الإنساني داخل الأسرة فعالة وواضحة.. وهذا لن يتم الا من خلال الحوار الايجابي المؤثر داخل الأسرة.
عندما نتحدث عن حوار ناجح بين الزوجين فإننا نهدف إلى التركيز على اختيار الكلمات الواضحة والمعبرة عن الموضوع المطروح.. وأن نختار الوقت المناسب لذلك.. وأن يكون حوارنا بنّاء عقلانياً مبنياً على الاحترام والتقدير للآخر ..
كلما زادت مساحة الحرية والاحترام داخل الأسرة كلما نمت وتطورت العلاقات بشكل إيجابي وثقة متبادلة بين كافة الأطراف فينمو الأبناء في جو من الألفة والمحبة ويتربون في أجواء من الثقة وطرح الأفكار وتبادلها، ويتعودون على تقبل الاختلاف في الرأي وأيضاً التشاور في كافة القضايا التي تهمهم.
إن الحوار لا يأتي بشكل كلمات متبادلة فقط، وإنما هناك الحوار المباشر اللفظي والآخر مرتبط بحركات الجسد والعين وملامح الوجه والإحساس، وبالتالي يأتي حوارنا مكتمل الجوانب باختيار الكلمات والمشاعر الذي تغلفه..
إن فهم الإنسان للرسائل والحوارات يعتمد بشكل كبير على نفسيته وتوجهاته وأفكاره ومعتقداته فكل شخص يفسر الرسالة بشكل مختلف عن الآخر..
ومن هنا تحدث الكثير من المشاكل بين الأزواج في تفسير قصد الحوارات والكلمات..
فالزوجة حين تسأل زوجها عن آخر مرة خرجوا فيها معاً لقضاء أمسية؟ تقصد أنها تود أن تخرج برفقته الآن.. ولكن الزوج يفهمها بشكل مختلف.. وكأنه اتهام بأنه لا يقوم بواجبه على أكمل وجه، وبأنه مقصر في الخروج معها لذلك نجد أنه يرد عليها بشكل مخالف لتوقعاتها وفقاً لتفسيره للرسالة..
ومن هنا تحدث المشكلات الكثيرة وتتطور إلى أن تصل إلى صمت دائم أو مقاطعة.
حتى ننجح في التواصل ونعيش بحب وسلام من الواجب تعلم مهارات الحوار الإيجابي والإصغاء للآخر وفهم شخصيته وتوجهاته.
الخوف من السيطرة
تشتكي «رانيا» من زوجها «أحمد» ومن عنفه غير المبرر وفظاظة تصرفه وكلماته الجارحة في المواقف التي تتطلب منه إظهار الود والحب والتقدير لجهودها معه.. وتوضح رانيا في رسالتها أنها عندما تكون معه في السوق وتبدي رأيها في اختيار ملابسه أو الألوان التي تحبها تجده يترك ما تختاره على جنب، ويغضب منها تاركاً إياها في المحل، كما إنها عندما تحاول الاقتراب منه في المنزل لإظهار عاطفتها أو سؤاله حين يتأخر في العودة للمنزل فإن ذلك يضايقه ويزيد من ابتعاده عنها !!
{ عزيزتي «رانيا».. إن ما يحكم تصرفاتنا هو مشاعرنا، فسلوكياتنا هي تعبير عن أفكارنا والمخزون التربوي الذي تبرمج في عقلنا الباطن من تربيتنا في الطفولة...
من الواضح أن «أحمد» يعاني من ضغوط أسبابها مراحل تربيته السابقة فقد يكون أحمد تربى في منزل تكون الأم هي المسيطرة في علاقتها معهم بشكل لا يسمح لبقية الأفراد في إبداء الرأي، لذلك نجد أن أحمد لا إرادياً يرفض تدخل زوجته في حياته خوفاً من تكرار تجربة تسلط الأم وسيطرتها عليه في تحديد ملابسه، أو رصد أسباب تأخره في العودة للمنزل، والحماية الزائدة عن الحد التي يفسرها على أنها أساليب للسيطرة بدلاً من فهمها على أنها حب واهتمام. يعمل أحمد دون وعي على رفض كل مقترحاتك لذلك عزيزتي أنصحك بمناقشة الموضوع مع زوجك، وتوضيح أن الدافع من سؤالك عنه أو إبداء رأيك في ملابسه إنما هو تقدير واهتمام به، دعيه يشعر بأنه مسؤول عن إدارة البيت، وادعمي بداخله الشعور الايجابي نحو تحمل المسؤولية وأظهري سعادتك بقدرته على قيادة الأسرة.
تقبل الرأي الآخر
تنزعج «هيفاء» من زوجها «صلاح» المحب لكل ما يتعلق بالتكنولوجيا والأجهزة في الوقت الذي تشعر فيه هيفاء بالرهبة منها.. فهي تفضل استخدام الأجهزة البسيطة على أن تستخدم الحاسوب أو التلفونات المتطورة أو المعقدة..
ويبقى صلاح بالساعات يشرح لها عن مزايا التكنولوجيا وأهمية تحويل استخدامها من الأنظمة اليدوية إلى الأجهزة المتطورة، حتى بدأت تشعر بالإهانة من حديثه أو عدم ثقته بقدراتها.
تشعر هيفاء بالحرج من أسلوب زوجها معها إلى أن أصبحت تتجاهل الجلوس معه.
{ عزيزتي «هيفاء».. يجب ألا تأخذي الموقف على أنه تقليل من قدرك بمقدار ما يحاول «صلاح» مساعدتك على تطوير ذاتك.. أنظري إلى الجانب المشرق من ذلك.. ما الذي يمنعك من اكتساب بعض المهارات وتطوير قدراتك ومواكبة العصر حتى ولو بدرجات بسيطة وتعلم كل ما هو جديد في التكنولوجيا بما يتناسب مع احتياجاتك...
ومع هذا لا يمنع أيضاً أن تتحاوري مع صلاح ومصارحته بأن هذه الأجهزة لا تستحوذ على اهتمامك وأنك متكيفة مع ذاتك في محاولة منك للتأكيد على أهمية أن يتقبل كل منكم الآخر من دون محاولة لتغييره ليكون نسخه منه، وأوضحي له بأنك مثلاً تحبينه وتتقبلينه بكل ما به من إيجابيات وسلبيات... فمن منا لا يوجد به عيوب أو نواقص، ولكن المهم أن يدرك الطرف الآخر بأن هذا النقص لا يقلل من قيمة الشخص الآخر لذلك علينا تقبل الأصدقاء والأزواج وكل من لنا علاقة بهم كما هم ولا نحاول جاهدين تغييرهم لأن ذلك سيشعرهم برفضنا لهم أو عدم تقبلهم.