قوت القلوب ... صفاء الروح

استميحك عذراً عزيزتي سحر أن يكون تواصلي مع قرائي اليوم عبر رائعتك «رحلة في القلوب»، حقيقة ما إن نظرت عيناي الغلاف الطوبي أو البني المحمر وهو أحد ألواني المفضلة، حتى وجدت نفسي أقف متأملة بشغف أمام جمالية الغلاف ورقة كلمات العنوان، وكعادتي أبدأ في تصفح الكتاب من الخلف أتوقف عند الفهرس وتبدأ حواسي كلها تتجول في بنوده..» الاستماع، أفهم ما أقول، لم تقاطعني، أعترف، أعتذر، لا تجادل، صغائر الأمور، الانتقاد.. والخ» من مواضيع مثيرة.. حقاً إنها رحلة في داخل النفس البشرية، رحلة إنما إذا مشينا فيها بيقين وفهم، استطعنا أن نكتشف ذلك العالم الجميل البعيد عن التعقيد، وأن تعيش بشكل صحيح مبدع هو أن تعيش وأنت متكيف مع نفسك ومع الآخرين، وأن تعيش وأنت تعرف ما تريد، ولكن الأهم لدى «سحر في مؤلفها «رحلة في القلوب» هو أن نعيش بانسجام مع من نختارهم أحباباً في قلوبنا، أصدقاءً في حياتنا، زملاءً في عملنا، بل وحتى أقرب العلاقات الممتدة التي لا يكون لنا دخل في اختيارها، ولكن علينا واجب احترامها والاستمرار بها.

إن نجاح علاقاتنا وفشلها يعتمد على مقدار وعينا وفهمنا لأصول التعامل مع الآخرين، إلا أن هذه المهارات هي نتاج تداخل الكثير من العلوم الإنسانية والمهارات الحياتية والاجتماعية لتشكل معاً القاموس الإنساني الذي يعيننا كبشر في فهم الآخرين.

تبدأ سحر رائعتها في الحديث عن أهمية الاستماع في حياتنا، وكيف لهذه القيمة من قوة في أسر من نستمع إليه.. إن الاستماع هو الطريقة التي نعبر بها عن حبنا للآخرين، فمن منا لا يستمتع ويندهش، بل ويشعر بالارتياح والأهمية، حين يدرك أن الطرف الآخر يصغي إليه باهتمام، ويعطيه المساحة كاملة ليعبر عما يجيش في نفسه.. وتتشابك المواضيع وتتداخل باندماجية خاصة حين تقول.. نعم إنني استمع إليك، وحتى يكون استماعي مكتملاً لابد أن أنظر إليك.. فيأتي موضوعها الثاني.. «أنظر إلي» حتى تفهم ما أقول، إذا كنا نبحث عن الأصدقاء ونود أن نوثق علاقتنا بالناس، علينا أن نتعلم الكثير من دروس التواصل والفهم معهم عبر الإنصات لهم والتحدث بلغتهم، وأن نجعل علاقتنا معهم إيجابية بها شيء من المتعة والمرح، ونبتعد عن تكرار المأسي وإجترار المشاكل، لأنها تعطي انطباعاً سيئاً عن الإنسان.

من المهم حتى نكسب الناس ونؤثر فيهم أن نكون مبادرين أصحاب الخطوة الأولى، ولا ننتظر أن يأتوا إلينا، فقد يطول الانتظار.. فإذا لم نقم بأي تحرك فإنه لن يكون لدينا أصدقاء.. فمن يعيش بمفرده ولا يتواصل مع الآخرين سواء بالزيارات والقيام بالواجبات الاجتماعية والرد على التلفونات وتبادل المسجات إنما هو يبني ذلك الجدار القاسي بينه وبينهم والذي يمنعهم من الاقتراب منك.. كثير من الناس تنتابهم الهواجس والرهبة، بل الخوف من أن يسمحوا للآخرين في التعرف عليهم، نحن لا نطالب أن يكون التعرف هو الانفتاح التام على الآخرين، بمقدار أن تفتح نافذتك على العالم وبالمقدار الذي تود، ليتعرف الآخرون على أجمل ما لديك من خصال وجمال وروح طيبة مبدعة.

ثم تكمل العزيزة سحر في كتابها عن موضوع غاية في الأهمية، وهو «الابتسامة».. من منا لا يعرف ما الابتسامة وتأثيرها.. إن الابتسامة إنما تخبر الآخرين بأننا منفتحين وسعداء، ونشعر بالارتياح معهم.. لأن لها مفعولا سحريا على الآخرين، ما إن يروا ابتسامتك حتى يتجدد الأمل بداخلهم، بل ويزداد فضولهم لمعرفة سر الابتسامة وسر السعادة التي تعيشها.. «كلنا نتمنى أن نكون من السعداء» ممن تنشرح نفوسهم ويبتهجوا بالحياة، كلنا نتمنى أن نناظر السماء والبحر، ونشعر بالجمال بدلاً من الخوف والاكتئاب..

كلنا ندرك أن الناس تنجذب إلى الإنسان السعيد الناجح، ونسمع كثيراً من يردد المقولة الشعبية «جاور السعيد تسعد»، لأن نمط حياته التفاؤلي إنما يحرك كل المشاعر الدافئة لنعيش بهناء.

ولأن المؤلفة تدرك أننا بشر وطبيعتنا خطاءة ولوامة، عادت فتحدثت عن الاعتذار عند الخطأ، فالحياة قد تأخذنا وفقاً لاهتماماتنا وننسى أننا وسط الانشغال ننسى الآخرين.. تلك هي أختي أو صديقتي المقربة تعتب علي نسيان مناسباتها الخاصة، فتأتي اعتذاراتي لها عن طريق تقديم الأعذار الواهية بالانشغال والمرض والنسيان والسفر.. في حين أن الاعتذار النابع من القلب المرتبط بحقائق الصدق، إنما هو كفيل بإلغاء كل لوم أو ملامة.

حتى نعيش بصفاء مع أرواحنا، علينا أن نتعلم الصفح والمحبة، فنحن لا نستطيع أن نغضب من كل الناس ونقاطعهم.. فالناس بالرغم من جفائهم وعداوتهم وأساليبهم المتنوعة في رسم الألم بحياتنا!!.. هم أيضاً نفس الناس إذا ما فهت دوافعهم وتعاملت معهم بذكاء وفق اختلافاتهم فإنهم سوف يرسمون السعادة والانشراح.

عندما تقرأ كتاب «رحلة في القلوب» للمرة الأولى تدرك أنك أمام لوحة رائعة متناغمة في المحبة الإنسانية، وعندما تعيد قراءاته مجدداً تجد أنه الطريق الذي يقودك لفهم الناس والغوص في أعماقهم والنجاح معهم، وبعد تكرار قراءته تكون قد كونت لنفسك مساراً جديداً للحياة الجميلة.

هنيئاً لك عزيزتي في رائعتك لكل ما تحتويه من جمال وتناغم في الكلمة والمعنى. ومني أهديه لكل القراء الذين يبحثون عن متع الحياة في فهم الآخر والانسجام معه.