الشلل الدماغي عند الأطفال

يعتبر الشلل الدماغي حالة مرضية تشكّل النسبة الأكبر من الإعاقات الحركية، ويختلف في أعراضه من طفل لآخر، كما تتباين نسبة انتشاره بتنوّع أدوات التشخيص، وتفاوت مستوى الرعاية الصحية للحوامل وعند الولادة بين دولة وأخرى، كما ترتبط نسبة الإصابة به بدرجة الوعي الاجتماعي والصحي، وخير دليل على ذلك تناقص عدد المصابين به في بلداننا العربية، خصوصاً تلك الإصابات الناتجة عن توافق فصيلة الدم بين الوالدين (عامل رهسيس)، نتيجة الفحص المبكر له، والحد من زواج الأقارب.

وينقسم الشلل الدماغي إلى أنواع، تبعاً لنوع التصنيف، وفق شدة الإعاقة، أو وفقاً لمكان الإصابة.
انطلاقاً من ذلك وبهدف الاطلاع على أنواع الشلل الدماغي وطرق الوقاية منه وسبل علاج المصابين به، يحدثنا الدكتور هشام الخياط استشاري جراحة المخ والأعصاب والعمود الفقري عبر الحوار التالي.


{ ما أنواع الشلل الدماغي وفق شدة الإعاقة؟
- الشلل الدماغي وفق شدة الإعاقة ينقسم إلى أنواع متعددة، ومنها:
الشلل الدماغي التشنجي، الذي ينجم عن إصابة القشرة الدماغية، ويشكل 65٪ من إصابات الشلل الدماغي، ويتميز بوجود صلابة وتيبّس وتقلص في العضلات، ما يؤدي إلى عدم تجانس الحركات وبطئها، واختلال في وضعية الرأس، وتختلف درجة التيبس بين المصابين، لكنهم يتشابهون في وضعية الجلوس وحركات محدودة ذات طابع واحد تؤدي، مع مرور الوقت، إلى تشوهات قوامية، كانحناء الظهر أو تشوه الركبتين والأصابع، والتشنج هو السمة الأبرز، فتبدو اليد متشنجة على امتدادها، أو تنقبض أصابع اليد الأربعة على الإبهام، وتأخذ القدمان وضعية المقص عند الوقوف.
أما الشلل الدماغي الارتعاشي، فهو يعني تحرك الذراعين والساقين والرأس أو أي جزء من الجسم بحركات سريعة وراقصة أو بطيئة، مع تفتيل لا يتحكم به المصاب. وسبب هذا الشلل عطل في منطقة في الدماغ تسيطر على سرعة وقوة العضلات، فتصاب عضلات النطق بالحركات
اللاإرادية، فيصبح النطق متغيراً بين البطيء والسريع غير الواضح، وتتزايد الحركات عند التوتر وتتوقف عند النوم.
وفيما خص الشلل الدماغي الارتخائي، فإنه ينجم عن إصابة المخيخ.
وهو قسم من الدماغ يسيطر على التوازن، وهنا لا يحدث تأخر عقلي أو حالات صرع، وإنما رخاوة في المفاصل أو خلل في التوازن، خصوصاً عند المشي، أو خلل في دقة حركة اليدين، أو تقطُّع في النطق، أو حركة سريعة وغير إرادية للعينين تكون فيها العضلات ضعيفة ومرتخية.
وبالنسبة إلى الشلل الدماغي التيبسي، فإنه يعتبر بالغ الحدة، ويتميز بالتوتر المستمر وصعوبة الحركة، ويصاحبه صغر في حجم الدماغ وتخلُّف عقلي شديد.
إضافة إلى ذلك، هناك الشلل الدماغي المختلط، وتكون الإصابة مختلطة ما بين الشلل التشنجي وأشكال أخرى من الشلل الرباعي.
{ وما أنواع الشلل الدماغي وفق مكان الإصابة؟
- أيضاً ينقسم إلى أنواع عديدة، منها شلل الطرف الواحد، حيث تكون الإصابة في الساق أو الذراع، وهناك الشلل ثنائي الطرف، وهو شائع أكثر عند الخدّج، وتكون الإصابة به للذراعين، وبدرجة أكبر للساقين، فيكون المشي إذا حصل على رؤوس الأصابع، وفي الحالات الصعبة تكون الساقان في وضعية المقص، ونادراً ما يصاب أصحاب هذا النوع من الشلل بالصرع وبالتخلف العقلي.
أما الشلل الدماغي النصفي، فهو عبارة عن تشنج في الذراع والساق من نفس الجهة، خصوصاً الجهة اليمنى، لأنها معرضة للإصابة مرتين أكثر من الجهة اليسرى، ما يؤدي إلى المشي الدائري، وعادة يمشي الطفل من دون أن يؤرجح ذراعه، بل يبقى ملتصقاً بصدره، إضافة إلى نقص في الإحساس باليد المصابة. وثلث هؤلاء الأطفال يعانون من الصرع، وربعهم مصابون بالتخلف العقلي. وهناك الشلل الرباعي، الذي يؤدي إلى عدم القدرة على الحركة المستقلة أو الوقوف أو المشي والجلوس، ويرافق هذا الشلل إعاقات ذهنية ونطقية، وتشنج في الوركين والكاحلين، يجعل الساق في وضعية المقص، كذلك تشنج في المرفقين والزندين يجعل الذراعين في وضعية «نصف مثني»، مع قلة حركة الأطراف والمفاصل، ومشكلات في اللفظ والبلع وحركات مستمرة، خصوصاً في الكاحلين. ويترافق مع الشلل الدماغي وجود حالات صرع عند البعض وتخلف عقلي عند البعض الآخر، ومشكلات في النظر والسمع والفم والأسنان.
{ ولكن هل بإمكان الأطفال المصابين السير بشكل طبيعي؟
- البعض من مرضى الشلل الثنائي يستطيعون المشي في السنة الثالثة وقد يلزمهم عكازات، و25 ٪ من المصابين بالشلل الرباعي يحتاجون إلى رعاية دائمة وكاملة، بينما في بعض الحالات من الشلل النصفي يتمكن المصابون من المشي بعمر السنتين. ويستطيع أكثر الأطفال الذين يجلسون قبل عمر السنتين المشي في المستقبل.
دلائل وانعكاسات
{ ما الدلائل التي يمكن أن نستشف من خلالها الإصابة بالشلل الدماغي؟
-أي عطب في مراكز الجهاز العصبي يؤدي إلى انفلات الانعكاسات العصبية، نتيجة لاضطراب التحكم في السيطرة عليها.
{ وكيف يمكن التحقق من وجود هذه الانعكاسات؟
- يمكن التحقق من وجود انعكاس مورو العصبي بإمساك الوليد من كلا ساعديه (وهو مستلق على السرير)، ثم رفعه قليلاً عن السرير وتركه يقع فجأة على السرير، عند ذلك يبسط الوليد ساعديه إلى كلا الجانبين لمدة ثانية واحدة، ثم يقوم بثنيهما إلى فوق وإلى الأمام، ويفتح أصابع كفيه، ثم ينحسر عند الأطفال في نهاية العام الأول إذا كانوا طبيعيين، والمصاب يستطيع أن يحيا بصورة طبيعية في حال تلقّيه وسائل تعليمية خاصة.
أما بالنسبة إلى الانعكاس الرقبي الجانبي، فإن الالتفات إلى جهة جانبية يؤدي إلى انبساط الطرفين -الساعد والساق- الواقعين في محاذاة الوجه. وانقباض الطرفين- الساق والساعد الواقعين في محاذاة قفا الرأس. تتم السيطرة على ذلك الانعكاس خلال العام الأول من حياة الطفل، ومن الصعب على الطفل السيطرة على مختلف محاور الحركة في جسمه من دون انحسار ذلك الانعكاس، فلا يستطيع الانقلاب من وضع إلى آخر، ولا يستطيع تناول الأشياء أو الجلوس أو الوقوف أو المشي.
وفي أغلب حالات الشلل الدماغي يعاني الأطفال من عدم انحسار ذلك الانعكاس بشكل شامل ونهائي، بل يبقى مرافقاً للطفل فترة طويلة من الزمن، ولكن بشكل أخف.
بحيث لا يتم انبساط وانقباض عضلات الأطراف بشكل ملحوظ، وبإمكان المصاب أن يتحرك ويمشي مع بعض الإزعاج، وتنعكس فداحة العطب في أنسجة الدماغ في ازدياد تقييد الطفل المصاب، ما يعيق القيام بأي حركة هادفة، ويسبب التواء الأطراف وانحناؤها أوجاعاً متصلة، لأنها متصلبة وخالية من المرونة.
ويتم التحقق من وجود هذا الانعكاس بإجلاس الطفل والكشف عنه بثني الرقبة إلى الأمام، ما يؤدي إلى انقباض العضلات في الأطراف العلوية وانبساطها في الأطراف السفلية وانشدادها. أما ثني الرقبة إلى الوراء، فيؤدي إلى انقباض الأطراف السفلية وانبساط وانشداد العلوية، يبدأ ذلك الانعكاس بالظهور في الأشهر الأربعة الأولى من الحياة، ثم ينحسر مع مرور العام الأول من عمر الطفل، وعدم انحساره كما يحصل عند أطفال الشلل الدماغي يؤدي إلى اضطرابات حركية تحد من سيطرة الفرد على مختلف حركاته، وتجعله أسيراً ومقيداً في وضعيات معينة.
اللقاح خير وقاية
{ هل يمكن الوقاية من الشلل الدماغي؟ وما الوسائل الواجب اتباعها لتفادي حصوله؟
- الوقاية من الأذى الدماغي أثناء فترة الحمل أو الولادة والفترة التي تتلوها من أهم طرق مكافحة هذا المرض، حيث يجب على المرأة قبل حملها أن تتطعم ضد أي مرض يمكن أن يؤذي الجنين، وعدم تناول الأدوية إلا بإشراف واستشارة الطبيب.
علاجات متاحة
{ ما أفضل العلاجات للشل الدماغي؟
- إذا حدثت الإصابة بالشلل الدماغي، فالعلاج يهدف إلى منع تدهور حالة المصاب. ويحتاج كل نمط من أنماط المرض إلى علاج مختلف ورعاية منفردة.
فالمعالجة الفيزيائية تساعد العديد من مرضى الشلل الدماغي، حيث يتعلم المريض المحافظة على توازنه إن أمكن، وذلك بتدريبات معيّنة وتطوير مهارات ذاتية تساعده على ارتداء ثيابه وتناول طعامه، ويمكن وصف أدوية للمرضى تساعدهم على ارتخاء عضلاتهم والتحكم في تشنجاتهم، وتساعد العكازات وغيرها من الأجهزة الآلية في مساعدة المريض.
وقد يفيد في بعض الحالات إجراء عملية جراحية تسمى «البضع الانتقائي للجذر الخلفي» في التخفيف من تصلّب عضلات المريض، وذلك بأن يقوم الطبيب الجراح بقص ألياف عصبية معيّنة في الحبل الشوكي. فالتدخل المبكر لن يعالج المريض، ولكن يتحكم في الحالة ويمنع تدهورها بشكل سريع، ويكون ذلك باتباع الخطوات التالية: 1ـ علاج التخاطب. 2ـ علاج مهني. 3ـ تأهيل جسدي. 4ـ المساعدة النفسية من جانب الأهل والأصدقاء.
وأهم علاج للمصاب هو منحه استقلالية في الحياة، مع المراقبة غير المباشرة.

No comments

Powered by Blogger.