علي باجي
الأوضاع مقلوبة والمركب يسير على غير هدى وعدم الاكتراث من السائل والمسؤول صورة بانورامية تتكرر في كل المرافق والوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية ، فالإنتاجية في المؤسسات العامة تقترب من الصفر في ظل بطالة مقنعة نتج عنها ترهل الجسم الإداري للدولة ، سببها الترضيات الحكومية لبعض النواب المحسوبين عليها لماذا انتشرت ثقافة المحسوبية والأنانية وحب الذات ؟ يجيب على هذا السؤال أستاذ علم الاجتماع الدكتور حامد المطيري ،والذي يقول إن الشخصية الكويتية بعد الغزو تميزت بعدد من السمات أولها الأنانية والتمركز حول الذات وحب الذات ، كما أنه من الملاحظ ابتعادها عن الإيثار بشكل لافت ، ويكشف الدكتور المطيري بعض السمات الاخرى والتي يعتبرها المراقبون نوعا من تورم الأنا ، وأحد السلوكيات التي تدل على حب الاستحواذ والتكسب بشكل مشروع او غير مشروع ،مثل الاعتماد والإيمان بالحظ ، وهي من الممارسات الملاحظة والمشاهدة من خلال الإقبال على السحوبات والجوائز وفتح الارصدة في البنوك المحلية كوسيلة لتحقيق الربح السريع دون الاعتماد على الجهد الذاتي ،
في هذه الجزئية من حديث الدكتور حامد المطيري ، يعلق مدير أحد الأسواق المركزية الكبيرة وذات الافرع المتعددة ويقول : إنه عمل في عدد من البلدان المجاورة في مجمعات تجارية كبيرة ولم يلاحظ النهم والإقبال على الجوائز والسحوبات التي تعتمد على الحظ في تلك الدول كما في الكويت ، ويشير إلا أنه يندهش من تكالب المواطنين الكويتيين على هذه المهرجانات دون مواطني دول الجوار ، ويكشف بعض المواقف الغريبة التي تصدر من الزبائن مثلا الدعاء بإلحاح قبل إلقاء قسيمة المسابقة في الصندوق المخصص للمسابقات ،وينتهي كلام المدير بسؤال مهم لماذا يحدث ذلك في الكويت فقط ؟ سلوكيات منحرفة
وفي هذا الإطار أشارت دراسة لمجلس الأمة حول الظواهر والسلوكيات المنحرفة في المجتمع الكويتي بعد الغزو العراقي لدولة الكويت ، فقد اشارت الدراسة إلى أن الغزو ترك آثارا نفسية سلبية على المواطنين باختلاف فئاتهم العمرية وابرز هذه الآثار انتشار العنف بين الاطفال والبالغين وكبار السن ذكورا وإناثا ، وأهم من ذلك شيوع النظرة السوداوية المليئة بالافكار المتشائمة من المستقبل وهي دافع كما تشير الدراسة إلى اليأس وعدم الرغبة في العمل ، والمحصلة النهائية كما يقول استاذ العلوم السياسية الدكتور عبدالله سهر في معرض تعليقه حول تخوف الكويتيين من المستقبل إن هذا الواقع النفسي الاجتماعي هيأ المناخ والأرضية الخصبة لانتشار ثقافة الاستحواذ وحب الذات والخوف من القادم ، لذلك يتم الإعداد جيدا للمستقبل دون بذل أي مجهود لأن المواطن الكويتي برأي الدكتور سهر لم يعد يثق بمستقبل البلد بسبب عدم الإعداد الحكومي الجيد لمواجهة المشاكل المستقبلية على كل الأصعدة ، وكشف أن هذا الشعور تنامى بعد الغزو العراقي مباشرة وبعد أن تشرد الكويتيون في اصقاع الأرض ، وذاقوا مرارة الهجرة والنزوح ولم يعودوا يثقون بأي وعود حكومية تتعلق بالاسترتيجة المستقبلية للكويت ،
عدم جدية
المواطنون يكشفون في أكثر من مناسبة انهم شبه فاقدي الثقة بنظرة الحكومة ورؤيتها للمستقبل فهي برأيهم تتعامل من دون اكتراث وعدم جدية ، أحدهم تحدث بصراحة ل «أوان» وقال إنه في سباق محموم مع الزمن في الإعداد للمستقبل وأنه ينوي خوض انتخابات الجمعية التعاونية التابعة للمنطقة التي يعيش فيها ، وبصوت عال وبجرأة وعدم تردد كشف المواطن الذي ينوي خوض انتخابات الجمعية التعاونية أنه سيستحوذ على أكبر قدر ممكن من ميزانيتها في حال فوزه ليؤمن مستقبله ومستقبل أبنائه ، مشيراً إلى أن الاستحواذ على مقدرات البلد اصبح امرا مستساغا لدى العديد من المواطنين فما تنشره وسائل الإعلام من قضايا السرقات والاختلاس دليل قاطع على أن القيم الاجتماعية أصيبت بخلل ، وإن الحديث عن الوطنية والحفاظ على المال العام نوع من الكلام الإنشائي يتغنى به السياسيون والحالمون .
عبدالله الحويان مواطن أربعيني وموظف في إحدى الدوائر الحكومية وهو أحد المتابعين للنشاط السياسي والاجتماعي للتيارات والكتل السياسية يقول : « إن التناقض واضح جدا بين أقوال وافعال أقطاب التيارات والكتل السياسية والاجتماعية فالعديد منهم مازال اسير المصالح الشخصية والعائلية والطائفية والقبلية» ، ولفت إلى ممارسات بعض النواب في مجلس الأمة وقال إن بعضهم يدافعون وبشراسة عن القضايا التي ليس لها علاقة بمصالحهم الانتخابية ايا كانت هذه المصالح ونوه بأن التاريخ السياسي لمجلس الامة والاستجوابات التي شهدتها قبة البرلمان شاهد حي على تضارب المصالح ، وبيّن الحويان أن بعض النواب في البرلمان يحاولون الاستحواذ على كل شيء فمثلا تجدهم يحاولون الانخراط في صفوف المعارضة ويسطرون عبارات وجملا رنانة في الوطنية وعلى كل الاصعدة ، وفي الوقت نفسه تجد سلوكياتهم تناقض شعاراتهم التي يرفعونها في المنتديات العامة فهم أول من يكسر القوانين ويقفز على اللوائح ، عبدالله الحويان أكد في نهاية حديثه وبعفوية لافته
« إن الناس تغيروا بعد الغزو والأسباب متعددة ومتداخلة والله يستر البلد من القادم» .
زينة المال
استاذ العلوم الإدارية ومستشار جمعية الصحافيين الدكتور عايد المناع في معرض رده على سؤال حول انتشار ثقافة الأنا وحب الاستحواذ في الكويت ، قال : « أعتقد هذه الحالة النفسية الاجتماعية موجودة في الاساس ، وهي الرغبة في المال والشغف به وهذا الأمر طبيعي لأن الله سبحانه وتعالى ذكره في القرآن وهو أن المال زينة الحياة الدنيا » ، واستدرك الدكتور المناع وأشار إلى أنه بعد التحرير شعر المواطنون أن للمال اهمية كبرى فخلال فترة الاحتلال ذاق العديد منهم مرارة هجر الوطن واللجوء إلى دول الجوار ، واشار إلى أن الذين يملكون المال منهم كانوا مستقرين نفسيا إلى حد ما وكشف أن عددا منهم وجدوا حفاوة استقبال ورعاية من جهات اهلية ورسمية في الدول التي لجؤوا إليها بسبب أنهم أغنياء فقط ، وعرج المناع على أسباب اخرى يعتقد أنها قد تكون عززت هذه المفاهيم والقناعات لدى المواطن وهي ان الكثير من المقيمين كوّنوا ثروات ورؤوس أموال نتيجة وجودهم في الكويت إما بصورة مشروعة أو غير مشروعة ،واقاموا مصالح اقتصادية وشيدوا المباني والعقارات في بلدانهم وفي الوقت نفسه يرى الكويتيون أن اوضاعهم الاقتصادية متعثرة وغير مستقرة بسبب موجة الغلاء التي لا تحكمها ضوابط شفافة ، وبسبب نمط المعيشة والاستهلاك النهم ، ورأى المناع أن عددا لا بأس به من المواطنين يرى أنه لابد أن يستفيد من الفرص المتوافرة للمواطن دون غيره.
وكشف المناع حقيقة تلمّسها خلال احتكاكه ببعض المثقفين العرب ومن متابعته لوسائل إعلامهم أن هناك صورا نمطية لدى معظم الشعوب العربية مفادها أن الكويتيين مغرورون وعنجهيون واستحواذيون يتذاكون على غيرهم ، وأسف المناع من ان هذه النظرة غير المنصفة بدأت تتحول إلى واقع لكن ليس لدى الكل لأن التعميم في مثل هذه السلوكيات فيه ظلم وتجن ،
1991
من الواضح أن بعض وسائل الإعلام العربية المرئية والمسموعة والمقروءة لعبت دورا مباشرا وغير مباشر بعد تحرير الكويت مباشرة أي في فبراير 1991 في رسم صورة سلبية عن الشخصية الكويتية وأن من صفاتها الجشع وحب الذات والانانية ، وقد تمكنت هذه الحملات من غرس هذه الصفات عن الكويتيين في أذهان العرب ، وكان لافتا تأثير نشاطها الإعلامي حيث كان جليا في تعامل الشعوب العربية الجاف مع المواطنين الكويتيين الذين يقصدونها للدراسة أو السياحة أو التجارة ، وقد حفلت الصحف اليومية الكويتية المحلية بعشرات الآلاف من الشكاوى حول تعامل بعض إدارات المنافذ مع المواطنين الكويتيين ، وتناول مجلس الامة هذه القضية بشكل جدي خلال الاعوام الماضية واستفاض في مناقشتها ووصف بعض النواب الحكومة بأنها ضعيفة على صعيد السياسة الخارجية ، وكان لوزارة الخارجية نشاط ملحوظ في متابعة مشاكل الكويتيين في الخارج بعد تزايد الجدل النيابي ،حول هذا الشأن ، ويشير المراقبون إلى أن بعض الكويتيين ومن خلال هذه الحملات أخذت تترسخ لديهم قناعة وبدؤوا يتقمصون هذا الدور ، وهذا واضح من خلال تصرفات بعض المواطنين في الخارج ، في هذا السياق يقول أحد المواطنين الذي كان يدرس في إحدى الدول العربية نهاية التسعينيات : إن تأثير الحملات الإعلامية ضد الكويت حكومة وشعبا كان واضحا من خلال تعامل الاساتذة في الجامعة ورجل الشارع وسائق التاكسي , ويكشف أن أحد البرامج في إحدى القنوات الفضائية العربية عندما يعرض في الفترة المسائية قضية تتعلق بالكويت بشكل مباشر اوغير مباشر نشعر نحن الطلبة الكويتيين في اليوم التالي بقسوة المعاملة ،
تورم الآنا
قد تكون وسائل الإعلام العربية بالغت في خلق الصور النمطية عن الكويتيين حول حبهم لذاتهم وتورم الأنا لديهم ، لكنها بالتأكيد أصابت جزءا من الحقيقة لأن هذه قيم مجتمعية وسلوك عام يظهر جليا في الشعوب التي تتعرض لحروب وغزوات ومشاكل داخلية كالأزمات الاقتصادية والحروب الأهلية ، كما أنها تظهر إذا كانت السياسات الحكومية غير واضحة المعالم ، وعندما يكثر الفساد بجميع أنواعه ولاسيما الإداري والسياسي والأخلاقي واللافت ان هناك اختزالا واضحا للفساد الإداري والأخلاقي ،