حين يختبر الطفل العنيد صبر والديه أمام إعصار غضبه

مواضيع مفضلة

الأحد، 16 فبراير 2020

حين يختبر الطفل العنيد صبر والديه أمام إعصار غضبه

سهام سهر
الطفل العنيد بات مشكلة أغلب الأمهات والآباء الذين يعنانون أمام نوبات غضبه وإصراره على موقفه وينفذ صبرهما حين يلجأ إلى البكاء المتواصل والصراخ ليرضخان له ويحققان طلباته على الفور.

البعض يعتقد أن التجاهل خير علاج لحالة العناد، بينما الطفل يفرط من البكاء حتى يتعب وينام، أما ضعاف القلوب أمام صغارهم فهم يهرعون لتلبية طلباتهم، وبين القبول... والرفض ثمة حلول وسطى يدعو لها علم النفس للتعامل مع الطفل العنيد المتذمر دائماً قدمتها في عدة نقاط د. نعيمة الطاهر إلا أننا في البداية التقينا بمجموعة من الأمهات والآباء الذين يعانون نم هذه المشكلة ليسلبوا همهم اليومي مع طفلهم العنيد فماذا قالوا:

حالات واقعيــة:

ندى علي سلوم (مدرسة وام لثلاثة أطفال) تقول: ابني الصغير دائم العناد في كل ما يطلب منه، ولا استطيع أن ارفض طلباته، وإلا بدا متذمرا ويعلو صراخه، لذلك البي له جميع الطلبات، الا فيما ندر وما يضر بصحته، وهذا ما يخلق مشاكل بيني وبينه، كما يؤثر على اخوته الاخرين حيث أخذوا يقلدونه في التصرفات عندما اكتشفوا أن العناد يجدي نفعا لتلبية متطلباتهم، وقد حاولت مرارا التخلص من هذه المشكلة لكن من دون جدوى، وعندما ذهبت إلى استشاري أطفال نصحني بأن اخصص اكبر قدر من الوقت للابناء خوفا من أن يصابوا بحرمان عاطفي وهذا ما يسبب كل هذه المشاكل لأن الطفل عندما يريد لفت الانتباه يبدأ بالبكاء والصراخ الى ان يتنبه اليه والداه، كما نصحني بأن أكون قريبة من الأطفال باستمرار والتقرب منهم أكثر والتعامل معهم وكأنني في سنهم. وبالفعل أثبتت هذه التجربة نجاحها معهم.

حنان محمد شافي (ربة منزل) تقول: لدي ولد وبنتان وانا أعاملهم جميعا معاملة واحدة من دون فرق بين كبير وصغير او بنت وولد، ولكن ابني عنيد جدا نتيجة اهتمام والده بأختيه أكثر لأنهما اكبر سنا وتذهبان إلى المدارس، وهذا ما ادى إلى تفرقة المعاملة من ناحية الدراسة وتلبية طلباتهما، والطفل قد لا يدرك ذلك بل همه تلبية طلباته والاستجابة لكل ما يريد.. ولكي نتخلص من هذه المشكلة اشترينا له حقيبة وكراسات واقلاما ليبدأ مثل أختيه بالدراسة، وبعد مرور الوقت بدأ يشعر بالارتياح من اهتمام والده به مثل أختيه بالرغم من انه لم يذهب إلى المدرسة حتى الآن، كما بدا بحالة نفسية أفضل نتيجة انشغاله بالكراسة والأقلام.

علي حارس (موظف بإحدى الشركات) يقول: لدي بنت وولد، ابنتي في الصف الخامس الابتدائي والولد في الصف الثالث الابتدائي، وهو ذكي جدا ولماح ودائما متفوق بدراسته ونظيف ومرتب في جميع أموره، سواء بالمنزل او خارجه، أما البنت فعلى عكس ابني لا تحب الدراسة، ومشكلتي معها عنادها الشديد خاصة في القيام بعمل واجباتها المدرسية، فهي تحب ان تؤجل الواجبات الى أن اعود من عملي في الفترة المسائية.. وطالما انا خارج المنزل فهي لاتقترب من حقيبتها الا بعد عودتي من العمل وابدأ اذاكر معها ونحلّ جميع الواجبات، وكلما اقنعها بأن تقوم بعمل الواجبات وحدها مثل اخيها تغضب وتبكي معتقدة أنني أفضل أخيها عليها وهذا بالتأكيد غير صحيح، لأنها لا تعرف مدى اهتمامي بها الا من خلال إنهاء كل الواجبات، لذلك تتأخر بتأدية الواجبات وهذا سبب المشكلة، فأنا افضل أن تنتهي من عمل الواجبات في السابعة مساء لتأخذ قسطا من الراحة وتلعب وتلهو وتستعيد نشاطها الا انها تعاند، وسبب عنادها اعتقادها بأنني أشجع وأكافئ أخاها على أعماله دونها فتزيد بالعناد الذي يفقدني اعصابي واستخدام أسلوب الضرب أو توبيخها بصوت عال، لكنها لا تأبه وتزيد في العناد، وكلما احاول اقناعها بأن ترى في اخيها قدوة ترد بأنني احب اخاها اكثر منها. ويوضح علي قائلا: لا أعرف السبيل لحل هذه المشكلة، خاصة أنني مشغول بالعمل وليس لدي الوقت الكافي، لأنني أعود من العمل وقد نفدت طاقتي وغير قادر على تدريسها.. أما زوجتي فعملها على فترتين صباحا ومساء، وانشغالها بأعمال المنزل يمنعها من مساعدة ابنتها في الدراسة.

سوسن عامر (مديرة الشؤون الإدرية في احدى مؤسسات الدولة) ام لثلاث بنات وولد واحد تقول: احب اولادي جميعا ولكن دائما الولد يشعر بالظلم كوني اميل للبنات حيث انني العب معهن ونتجاذب اطراف الحديث يوميا، اما الولد بما أنه لايذهب الى المدرسة وليس لديه اصحاب لا يوجد بيننا حوار لكنه يحاول ان يقاطعنا بالكلام او يشغلني عن اخواته عندما يرانا نتكلم او قيامه ببعض السلوكيات لجلب الانتباه، وغالبا ما يبدأ بالصراخ والبكاء من دون سبب او يخترع له سببا من الاسباب ليثبت وجوده بيننا فقط، بالرغم من الرعاية والعناية التي اوليها له لكنه يشعر بالنقص فتجده يعاند في كثير من الامور، واذا أنبته يبدأ بالبكاء.. أشعر بحيرة من امري في البحث عن أسلوب للتعامل معه لكي ارضيه وابعد عنه شعوره بأنني اهمله ولا اهتم به مثل اخواته البنات.

الرأي النفسي:

تقول دكتورة علم النفس بجامعة الكويت نعيمة الطاهر.. إن من اسباب عناد الطفل، إهمال الوالدين له وعدم إيلائه الرعاية الكافية مما يحوله الى شخص عنيد ومتذمر. كما أن لاهمال الوالدين أسبابا كثيرة منها المشاكل الأسرية أو انشغال الوالدين عن الابناء خاصة في ظل وجود أكثر من طفل، كذلك عدم الاهتمام بدراسة الأبناء أو الترفيه عنهم. فقد يحتاج الطفل لوالديه خاصة لامه، فلا يجد سوى الخادمة تلبي طلباته وتتابع دراسته او اللعب معه، ويولد لديه شعور بالنقص وردة فعل. كما في كثير من الحالات تخلق لدى الطفل الميول العدوانية والرغبات التدميرية، وتشتد حالة العناد حينما يدرك الطفل امكانية تحقيق مطالبه من خلال عناده. أما الحاح الطفل فيزداد عند شعوره بأن حاجته لا تلبى، مثلا عندما يشعر بالجوع يحتاج الى الطعام وان شعر بالتعب يريد ان يخلد الى النوم.

ويتهرب الطفل من والديه في بعض الحالات، خصوصا اذا كانا يتصفان بالتسلط، فالطفل ايضا لا يخنع ولا يطيع الاوامر والنواهي اذا كانت تتعارض مع حريته، ما يدفعه للجوء الى قوة العناد للتخلص من عقاب الوالدين. ويتعلم الطفل من والديه في بعض المواقف ان المشاكل تحل عن طريق القوة، إضافة الى السلوكيات التي يكتسبها من المدرسة، والتي تجعله في وضع نفسي يملي عليه اتباع هذا النمط السلوكي أو ذاك.

والفارق الوحيد بين سلوك الطفل وسلوك والديه انهما يمتلكان القدرة والقوة على الاستبداد والتسلط، اما هو فلا يملك سوى عناده وتمرده.

وتضيف د.الطاهر: غالبا يعتمد الطفل على اختبار والديه ان كان يستطيع تحديهما ام لا. اذ يلجأ الى اسلوب البكاء والعناد لتحقيق مطالبه، ويدرك مدى امكانية هذا السلوك في التعامل مع الوالدين، فاذا نال مراده استمر في هذا النهج والا بحث عن اسلوب آخر.. فالطفل الذي يتعرض الى اخفاقات متعددة ولا يتسطيع احراز النجاح في حياته يتجه تدريجيا نحو سوء السلوك والعناد. وحين يفشل في اللعب وجذب اهتمام والديه ومنافسة الآخرين تتحطم شخصيته ويصبح عاجزا عن اقامة علاقة سليمة مع والديه والمعلمين، ولا يتمكن من عرض مطالبه بشكل طبيعي. ولا نعني هنا ان يصبح الوالدان والمعلمون تحت إمرة طوعه وتلبية كل مطالبه، اذ الواقع يستدعي اتخاذ مواقف مدروسة في هذا الخصوص. فاذا كان الامر يتطلب عدم الاستجابة لهذه الرغبات فيجب ان يتم ذلك بشكل يقنع الطفل من خلال استخدام اسلوب الوعود ما يشعره بالارتياح.

على عكس الطفل الذي يرفض الوالدان الاستجابة لطلباته، لكي لا ينشأ على العناد والالحاح لتحقيق مراده، وهذا بالطبع تصور خاطئ، لأن من أسباب عناد الطفل وتمرده احيانا بعض الاختلالات والامراض العصبية ما يعقد الامور اكثر، حيث ان الاطفال المصابين بها يعيشون صراعا داخليا في كل الامور، ويتصفون بشدة الغضب وعمق الاضطراب، وتجتاحهم رغبة عارمة في تحقيق مطالبهم من خلال البكاء والصراخ المستمر. ويبدو عناد الطفل احيانا بوضوح من خلال فقدانه الصبر، فالطفل العجول يريد ان يحقق هدفه في اضيق وقت ممكن، ويستمر في الصراخ لحين تلبية حاجته.. ويتخذ عناده وتمرده ابعادا خطيرة.

وتكمل: أحيانا يندفع الطفل تلقائيا ليبدو طفلا مسالما في نظر والديه، اذ يحاول تنفيذ أوامرهما بدقة ويبتعد عن مضايقتهما، وهذا يعرف بالضغط على الذات ما يؤدي فيما بعد الى الملل، وينقلب الى رغبة في العناد واثارة الصخب. فاذا استطاع التزام الصمت والهدوء ليوم لا يستطيع أن يستمر في ذلك لليوم الثاني لانه فقد صبره. اما الطفل الذي يعاني من بعض الامراض المتوالية فيكون بحاجة للمزيد من الرعاية والاهتمام والعطف لأن كثرة الامراض تجعله يألف الاوجاع والآهات الى ان يتحول هذا الوضع الى عادة متجذرة في أعماق شخصيته. مثل هذا الطفل يواصل هذا السلوك حتى في حالة الصحة والسلامة، لا يطلب من والديه شيئا الا وكان مصحوبا بالآهات والبكاء المستمر من دون سبب حتى يصبح سلوكا متلازما لحياته.

إرسال تعليق

المشاركة على واتساب متوفرة فقط في الهواتف