فيصل طالب يدرس في كلية التربية الأساسية، وبالرغم من أن منزله ليس بعيدا عن حرم كليته، حيث يسكن منطقة النزهة إلا أنه يجد شهيته مفتوحة كلما مر بسيارته أمام جمعية العديلية الغنية بمطاعم الوجبات السريعة المجاورة لكليته.
المنزل بالنسبة له أصبح مكانا للنوم، أما مجابيس الوالدة فقد عفى عليها الزمن ولم يعد يتذكر منها شيئا حتى رائحتها الشهية.. فيصل لم يفقد طباخ الوالدة فحسب وإنما نكهة لقاء العائلة الذي استحوذت عليه مطاعم «الفاست فود».
يعترف محمد إبراهيم بإدمانه على الوجبات السريعة واعتماده عليها بشكل رئيسي، ولكنه يرجع السبب في ذلك إلى طبيعة عمله في إحدى شركات البترول وعدم تمكنه من الحصول على وجبات منزلية، مضيفا أنه نادرا ما يتناول طعام المنزل بسبب انشغاله الدائم في عمله، «الوجبات السريعة هي البديل المناسب الذي لا يستطيع الاستغناء عنه».
وعلى النقيض منه جاء رأي حنين هشام التي هاجمت تلك الوجبات بشدة، إذ تقول إنها من أشد المعارضين للوجبات السريعة نظرا لمخاطرها المتعددة على صحة الإنسان، وما تمثله من آثار سلبية على الصحة، فضلا عن إهدارها ميزانية الشباب، مشيرة إلى أن الآثار السلبية لتلك الوجبات تخطت المخاطر الصحية لتمثل سببا رئيسيا في التفكك الأسري نتيجة وجود كل فرد من أفراد الأسرة في مطعم ما، ولم تعد «سفرة المنزل تجمعهم» كما كان في السابق، مؤكدة أنها ترفض هذا التشتت الأسري ولا تلجأ لتلك الوجبات إلا للضرورة القصوى، لافتة إلى أنها «لا أذكر أني تناولت أكثر من وجبة أسبوعيا إذا اضطرتني الظروف ولم استطع تناول وجبتي في المنزل، وحتى إن اضطررت لتناول وجبة خارج المنزل فأحاول قدر الإمكان الابتعاد عن الوجبات السريعة المليئة بالسموم، أحاول اختيار وجبتي مشابهة لطعام البيت».
وعن أسباب لجوء الشباب للوجبات السريعة تؤكد هشام أن عدم وجود طباخة ماهرة في البيت ربما يكون سببا في لجوء البعض إلى تلك الوجبات، «ربما يكون إهمال الزوجة أو الأم في إعداد الطعام في البيت، أو عدم درايتها بإعداد أنواع طعام تجذب الزوج أو الأبناء لتناوله سببا في ذلك»، مبينة «لا شك أن الكثير من الأزواج يلجؤون للوجبات السريعة بسبب إهمال زوجاتهم في إعداد الطعام»، وتوضح أن «الرجل بطبعه يميل إلى الجو الأسري ويعشق تناول الطعام من يد زوجته ويجتمع معها ومع أطفاله على سفرة الطعام لتناول ما أعدته بنفسها، فإذا فقد هذا العنصر يضطر للبحث عن حل بديل ولا يجد أمامه سوى الوجبات السريعة، وربما يكون ذلك سببا في لجوء عدد من الأزواج إلى تناول طعامهم مع أصحابهم سواء كانوا شبابا أو فتيات بعيدا عن جو الأسرة مما قد يصل بهم لطرق غير سليمة تهدد كيان الأسرة».
من جانبها توجهت لاعبة منتخب الكويت للكرة الطائرة هبة فيصل المسفر بالنصيحة للشباب للتقليل من تلك الوجبات لما لها من مخاطر على صحة الانسان، وتقول: إنها ربما تناولتها مرة واحدة اسبوعيا وتحاول دوما التقليل منها.
وعن أسباب انتشار الوجبات السريعة بين الشباب، تفيد المسفر بأن ظروف العمل أو الدراسة قد تدفعهم إلى تناول تلك الوجبات لسهولة الحصول عليها في دقائق معدودة، وربما يكون السبب في بعض الحالات وجود خادمات في المنزل هن من يقمن بالطبخ نظرا لتكاسل ربة البيت، ويكون ذلك سببا في عزوف أفراد الأسرة عن تناول هذا الطعام واللجوء مضطرين للوجبات السريعة.
ويوافقها الرأي في ذلك عبدالله الشمري الذي يؤكد أن تميز ربة البيت بالطبخ لا يدع فرصة لأي من أفراد الأسرة أن يكون ضحية للوجبات السريعة بكل ما تحمله من مخاطر صحية، ويقول: إنه حريص على تناول الطعام بشكل مستمر من يد الوالدة ولا يلجأ إلى الوجبات السريعة إلا في حالات نادرة إذا اضطرته الظروف لأن يتأخر في العودة المنزل.
ويلفت إلى أن وجود الخادمات اللاتي يقمن بالطبخ سبب رئيسي في هروب الشباب للوجبات السريعة لأن الخادمة مهما برعت في طبخها فلن تستطيع جذب أفراد الأسرة الذين تعودوا على الطبخ من يد الوالدة بنكهته الكويتية التي لا تقاوم.
أما حمد اللوغاني فكان له رأي آخر، حيث يؤكد أن تلك الوجبات مفيدة كونها سريعة وتتماشى مع ظروف الطلبة الذين يتواجدون خارج المنزل لفترات طويلة، «يتناولونها خارج المنزل بشكل مستمر، ولكن عند تواجدهم في المنزل فإنهم لا يطلبونها إلا في حالات خاصة».
ويوضح اللوغاني أن سبب لجوء الشباب للوجبات السريعة الملل من الوجبات المنزلية وبهدف تنويع الطعام، «أعرف بعض الزملاء يرفضون تناول طعام المنزل المعد من قبل الخادمة ويفضلون اللجوء للوجبات السريعة رغم ما تحمله تلك الوجبات من مخاطر على صحتهم».
ويختتم قائلا: «أنصح بالتقليل من تناول تلك الوجبات وكذلك المشروبات الغازية التي تسبب هشاشة العظام».
د. اليحيى تحذر من المواد المسرطنة
تقول أستاذ الأغذية بقسم العلوم في كلية التربية الأساسية بالهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب د.خلـود اليحيى: إن الشباب والفتيات يقبلون على مطاعم الوجبات السريعة بشتى أنواعها بحجة مذاقها المميز، وكونها في متناول أيديهم أثناء وبعد اليوم الدراسي، رغم أنها تستنزف جزءاًً كبيراً من مصروفهم اليومي، فضلا عن مضارها الصحية، مضيفة أن ارتفاع المصروف اليومي للشباب شجعهم على التوجه إلى تلك الوجبات.
وتبين اليحيى إن المنتجات الغذائية بالأسواق لها بطاقة غذائية يمكننا من خلالها التعرف على مكونات المنتج وأحيانا على سعراته الحرارية وعناصره الغذائية، ولكن تلك البطاقة غير متوافرة مع الوجبات السريعة، لذا لا يتمكن المستهلك من تحديد مكوناتها، وبالتالي يجهل سر مذاقها «اللذيذ»!
ونوهت بأن الطريقة الأساسية المستخدمة للطبخ في مطاعم الوجبات السريعة هي القلي، أكثر طرق التحضير ضررا على صحة الإنسان، حيث تقلى أغلب مكونات الوجبة كالبطاطا المقلية وبطاطا الودجيز والهمبرغر ودجاج النجيت، والفطائر المقلية وغيرها بزيت يعرّض لدرجات حرارة عالية وبصفة مستمرة، وقد ثبت علميا أن تسخين الزيت إلى درجات عالية يغير من تركيبته ويحوله إلى مادة متسرطنة.
وتزيد بقولها: إن نوع الزيوت المستخدمة لن تكون بأي حال من الأحوال من الزيوت البكرية لأنها مكلفة، ولذلك تستخدم أرخص أنواع الزيوت وأكثرها رداءةً وهي الزيوت المكررة والمهدرجة، «ثبت علميا تأثير الزيوت المهدرجة بحد ذاتها وحتى دون تسخينها في رفع نسبة الكولسترول والدهون الثلاثية وزيادة الوزن والإصابة بأمراض القلب والشرايين». وتضيف اليحيى أن تلك الوجبات السريعة عادة ما تصاحبها المشروبات الغازية التي تفتح الشهية لتناول مزيد من الطعام، ولذلك فهي جزء لا يتجزأ من الوجبة السريعة، ومن مخاطر هذه المشروبات أنها تؤثر سلباً على نمو وكثافة العظام، كما تسبب في لين العظام، «المشروبات الغازية أيضا الخالية من السكر لها نفس التأثير على العظام، ولكنها أكثر ضررا على صحة الإنسان لأنها تحتوي على مركب (الأسبرتيم) والذي ثبت مفعوله كمادة مسرطنة ومؤثرة على الجهاز العصبي مؤديةً الى تغيرات ذهنية وسلوكية لمستهلكيها».
وتوضح اليحيى أن الوصفة السرية التي تجعل من الوجبة السريعة اختيارا لا يقاوم، هي مركب «أحادي جلوتمات الصوديوم MSG» وهذا المركب له تأثير على الجهاز العصبي، إذ يعطي صاحبه الشعور بالرضا والسعادة، ومن ثم يصبح مدمنا عليه، ويضاف هذا المركب للوجبة لأن الكثير من اللحوم والدجاج المستخدمة تُجمع من بقايا الأبقار والدواجن، فكان لا بد من إضافته لتحسين نكهتها وإلا لما كانت الشركات المنتجة تربح شيئا، إذ إن الوجبات السريعة لا تملك مذاقا لذيذا إلا بوجود هذا المركب، ومن أضراره أيضا أنه يؤدي إلى السمنة، والكلام لليحيى: إن هذا المركب يُعطى لفئران التجارب ليزداد وزنها للتمكن من دراسة مضاعفات السمنة، كما أنه- المركب- يزيد من أعراض الحساسية لدى مصابي الربو والاكزيما، ليس هذا فحسب، بل له تأثيرات خطيرة على الجهاز العصبي للإنسان، إذ أثبتت الدراسات وجود علاقة وثيقة بين مستهلكي الوجبات السريعة وبين الإصابة بالزهايمر والاكتئاب والتوحد واضطراب ضعف التركيز.
وتؤكد اليحيى أن أصحاب تلك المطاعم تنبهوا لازدياد وعي المستهلك من مخاطر تلك الوجبات فبادروا لتوفير اختيارات صحية بجوار الوجبات كالسلطات الطازجة، ولكن الصلصات المستخدمة معها تحتوي أيضا على أحادي جلوتمات الصوديوم، مشيرة إلى أن مطاعم الوجبات السريعة تتفاوت في مكونات وجباتها، إلا أنها جميعا لا تستغني عن مركب «أحادي جلوتمات الصوديوم» كون هذا المركب هو السر في نكهتها ولذتها، وهو ما يجعل الكثيرين يدمنون على الوجبات السريعة.
وتساءلت اليحيى: لماذا لا يتم منع تداول تلك المركبات بعد ثبوت خطورتها على صحة الإنسان، وتجيب: «الجواب لدى إدارة الغذاء والدواء الأميركية التي لم تضع حتى الآن ما يجرم استخدام هذا السم رغم وجود ما يكفي من أدلة».