موجات مغيّرة في السينما

في الحلقة السابقة، تناولنا الأفلام الموسيقية التي تميزت بنجاحها وشعبيتها، واعتمادها على القصص الإنسانية الشهيرة والجميلة وتعدد إنتاجها على فترات مختلفة. أما في هذه الحلقة فإن الأعمال خلقت تغييرات شاسعة على مستوى مدارس وأساليب السينما في العالم، من خلال خلق موجات جديدة وابتكار زاويا مختلفة في تناول مواضيع وثيمات السينما.
في هذه الحلقة، يجيء فيلم «المخمل الأزرق» في البداية، وهو من إخراج ديفيد لينش العام 1986 وتمثيل كيلي ماكلاكلان وإيزابيل روزليني ودينيش هوبر ولورا ديرن. ويعتبر هذا العمل من أهم الأفلام التي حصدت أكبر قدر إيجابي من آراء النقاد، على الرغم من أنه اتخذ الأسلوب السوريالي كإطار عام، ليحصل المخرج على ثاني ترشيح له لجائزة الأوسكار في الإخراج، خاصة وأنه من عمل ممثلتين لم تكونا شهيرتين، بل انطلقتا من خلال هذا العمل الذي اتخذ عنوانه من أغنية ستينية شهيرة لبوبي فينتون. وقد عانى المخرج في تحضير العمل، لأن أغلب الشركات رفضت إنتاجه بسبب المحتوى الجنسي الطاغي عليه، إلا أن مجموعة «دي لورنتس» التي كان يديرها المنتج الإيطالي دينو دي لورنتس قام بإنتاج العمل الذي أصبح أفضل عمل لمخرجه لينش.
وفي المرتبة الثانية والستين، يظهر فيلم ستيني فرنسي من إخراج جان لوك غودارد بعنوان «À bout de soufflé» أو «نهاية النفس»، الذي يعتبر أول فيلم طويل للمخرج، ومن أهم أعمال «الموجة الجديدة» التي أطلقتها السينما الفرنسية، حيث صادف خروج الفيلم مع فرانسوا تروفو «400 نفخة» وفيلم آلن ريسنيس «هيروشيما، مون آمور»، ليتميز فيلم غودارد بأسلوبه المرئي وطريقة التصوير.. ويحكي الفيلم قصة عارض أزياء يسرق سيارة في مارسيليا، ومن ثم يقتل شرطيا كان يلاحقه ليستنجد بصديقته الأميركية التي تدرس الصحافة في باريس، حيث اختبأ عندها ومن ثم خططوا للهرب إلى إيطاليا إلا أن الشرطة تجده وتقتله بعدما أخبرته أنها قامت بخيانته مع شخص آخر على الرغم من أنها حامل منه.
وينتصر العملاق روبيرت دينيرو حتى هذه الحلقة، ليكون أكثر الممثلين ظهوراً في قائمة «أفضل مئة فيلم»، وذلك من خلال عمله الشهير «حصل ذات مرة في أميركا» الذي أحدث ضجة حال خروجه العام 1984 من إخراج سيرخيو ليوني ويشاركه التمثيل جيمس وودز. ويتناول الفيلم قصة عصابة من الصبية اليهود في أحد أحياء مدينة نيويورك ليسلط الفيلم الضوء على ثيمات مختلفة، مثل الحب والطفولة والصداقة والخيانة وصورة المجتمع الأميركي وأحلامه.. وبسبب مدة الفيلم الطويلة، لم يشارك العمل في مهرجان كان السينمائي وتم حذف 90 دقيقة من مدة نسخته الأوروبية من أجل عرضه في الولايات المتحدة، وكل هذه الأمور أصابت المخرج بالكآبة للسياسة التجارية لصناع السينما الأميركية التي أثرت سلباً على التكنيك الذي حاول استخدامه من خلال عمله فلم يقدم أي عمل آخر حتى وفاته العام 1989.
ويظهر وودي آلن لأول مرة في هذه القائمة من خلال عمل «مانهاتن» الذي أخرجه العام 1979، وهو فيلم كوميدي رومانسي يقوم ببطولته وودي آلن في دور رجل في بداية عقده الرابع سبق وأن طلق مرتين، كما يقوم بمواعدة فتاة في السابعة عشرة من عمرها، تقوم بدورها ماريل هيمنغواي، إلا أن البطل يغرم في النهاية بعشيقة صديقه.. الفيلم من تأليف آلن ومارشال بريكمان، وأخرجه آلن بالأبيض والأسود بمدة ساعتين ونصف للفيلم. وترشح الفيلم لجائزتي أوسكار لأفضل ممثلة ثانوية ماريل هيمنغواي وأفضل نص، وحصد جائزة السينما البريطانية لأفضل فيلم، كما يتواجد في قائمة أفضل الأفلام الكوميدية في الولايات المتحدة.
وفي النهاية، يظهر فيلم فرنسي آخر بعنوان «الطفل المتوحش» من إخراج فرانسوا تروفو ليحكي قصة طفل في الحادية عشرة من عمره، وُجد في غابة في جنوب فرنسا يعيش مثل الحيوانات ولا يجيد أي لغة، مما يعني أنه تربى هنالك منذ طفولته، ومن ثم تم وضعه في مدرسة للصم والبكم، ليقوم أحد الأطباء بدراسة حالته ويرفض ما قاله الآخرون عن أنه لا يتحدث أو لا يفهم، فأخذه في جولات حول باريس وبدأ يعلمه اللغة تدريجياً. ويرى البعض أن ثيمة الموضوع تبدو مثيرة لأنها تخلق مقارنة بين الحياة الوحشية وحياة التمدن والحضارة، ولذلك فإن الكثيرين وجدوا أن هذا العمل أفضل ما قدمه تروفو خلال مسيرته.

No comments

Powered by Blogger.