يعرف العلماء عملية القراءة بأنها: «هي عملية استرجاع منطوق أو ذهني لمعلومات مخزنة، سواء كانت تلك المعلومات على شكل حروف، رموز، أو حتى صور، وذلك عن طريق النظر أو اللمس كما في لغة بريل للمكفوفين.
وتقترن القراءة بتوصيل الأفكار وبناء المعنى والتطوير المعرفي، ولذلك فهي مرتبطة بتعلم تلك الرموز وفهم دلالاتها. وبالتالي تبقى خصوصية لفئة الأطفال ما قبل فترة التعلم القرائي، ويمكن دراستها ورصدها عبر دراسات علم النفس المتخصصة بالطفل، وللدكتورة إيمان البقاعي دراسة في كتابها «في أدب الأطفال والشباب» الصادر عن دار الراتب الجامعية عن هذا الموضوع، إضافة إلى كتاب «أدب الأطفال» الصادر عن دار المسيرة للدكتور سمير عبدالوهاب أحمد، فيه دراسة موجزة عن ذلك، كما يمكن الاطلاع على خصائص الطفل المعرفية في كتب النمو المعرفي الخاصة بالأطفال جميعا والتي تشير إلى مدركاته وفق العمر ويمكن ربطها بالكتاب على النحو التالي:
السنة الأولى
وتسمى مرحلة التناول باليد، حيث يكون الكتاب كغيره من الأشياء الملقاة حول الطفل، ويكون اهتمامه بها عابرا لا يتجاوز اللون والشكل، أما انتباه الطفل إلى القصة فيعتمد على حاسة السمع حيث تغير النبرات وطبقات الصوت ومحاولة ربطها مع مكتسباته المعرفية، وتبقى للحروف المدونة في الكتب قابلية جذب الطفل من حيث الألوان وشكل الكتابة والحجم.
الشهر الخامس عشر
يمكن للطفل في هذا العمر أن يشير إلى الصور الواردة في الكتاب، ولكن لن يكون للكتاب قيمته الكبرى كممتلكات ثمينة، فيمكن أن يمزقه ويخربه، ولا تشكل الكلمات معنى مرتبطا بدلالة معينة سوى ما يربطه الطفل في شكلها.
ويبقى للصورة أهميتها الكبرى هنا حيث أنها تثير خيال الطفل وتجذبه بشدة من حيث الشكل واللون وأثرها النفسي وانعكاسها عليه من حيث المرح والبهجة، ويمكن لدور النشر الاعتماد على الصور ثلاثية الأبعاد والمجسمات الصغيرة لجذب الطفل.
الشهر الثامن عشر
ويمكن في هذا العمر أن يسمي الطفل الأشياء ويهبها معنى خاصا بحسب تعلمه، كما يمكن أن يسمي الأشياء بحسب أصواتها فينادي القطة بالمواء أو الكلب بالعواء أو يشير إلى النار بصوت الهلع!
وبهذا العمر يؤدي الكتاب دوره من حيث التقاط شكل الأحرف وربط معاني الصور المتتابعة ببعضها من حيث دلالاتها لا وفق حبكة معينة.
بعد العامين
يمكن القول بأنه العمر المناسب جدا لقراءة القصص، حيث تجذب صور الكتاب الطفل بقوة وترتبط بانفعالاته واستجاباته النفسية، ويشير بعض الدارسين إلى أهمية تكرار الحركة في الصور والشخصية والأسماء لتثبت في ذهن الطفل ويلتقط مفهومها المعرفي، وتبقى الحبكة بعيدة عن محور الاهتمام في هذا العمر مقارنة بقوة حبه للقصص.
في العامين والنصف
هنا تبدأ مرحلة التكوين المعرفي بصورته الأعلى؛ حيث أنها مرحلة البحث عن المعاني، ويشارك الطفل صور الكتاب وقصصه عاطفيا وقد يتقمص أو يتعلق بإحدى شخصيات القصص باعتبارها حقيقة، فعالم القصص حينئذ عالم حقيقي ماثل أمام عينيه بالصور! ويمكن أن يشارك الطفل في كلمات وأحاسيس ومسميات مضافة إلى القصة باعتباره جزءا منها، حيث متعة الحكاية كبيرة، وفي هذا العمر لا تزيد الحبكة القصة قيمة بقدر الصور التي يجب أن تكون واضحة مفهومة ملونة ومتنوعة.
ويمكن اعتبار الطفل بعد هذا السن طفلا يمكنه التعلم والقراءة لو اعتني به وتم إدخاله برامج درسية وعلمية، لذا كان على الأوجب التمهيد بخلق بيئة تتوفر فيها الكتب من قبل، ليألفها الطفل ويدرك قيمتها مبكرا ويستوعبها بشكل أسرع.
فالنمو القرائي لأطفال ما قبل القراءة يتطور وينمو من خلال الصور التي يضمها الكتاب قبل الأحرف والحبكة وفكرة القصة، وعلى الكتاب في تلك المراحل أن يراعي القاموس اللغوي للطفل ويدعمه بالجديد والمهم والمفيد له في محيطه.
ووفقا لدراسات عديدة منها ما رصده العالم بياجيه حول التربية الجمالية، فإن الطفل يجب أن ينخرط في الحياة ويكتشف من خلال عالميّ الأشياء والموضوعات، بدءا بالاكتشاف البصري خاصة من خلال التناقضات كالنور والظلمة وتناقض الألوان والأشكال وغيرها، وذلك بدءا من الشهور الأولى فيما بعد الولادة، ليكون قارئا جيدا قبل مرحلة المدرسة