حين ينتهي قطار العمر في دار المسنين

إن المجتمع الذي نعيش فيه كان دائم التغيير، لكن السرعة التي تغيرت بها القيم والعادات عبر الكرة الأرضية، وخصوصاً السنوات العشرين الأخيرة، لاتضاهى تاريخيا. ومشاكل التقدم بالعمر اليوم سببها هذه المتغيرات السريعة.
إن المجتمع الذي نعيش فيه كان دائم التغيير، لكن السرعة التي تغيرت بها القيم والعادات عبر الكرة الأرضية، وخصوصاً السنوات العشرين الأخيرة، لاتضاهى تاريخيا. ومشاكل التقدم بالعمر اليوم سببها هذه المتغيرات السريعة.
فدورات الحياة تطول والفئة العمرية 60 عاماً وما فوق تكبر بسرعة من باقي السكان، ما يؤدي إلى نسبة عالية من الاتكال على الآخرين.
وبما أن التقدم في السن أمر لا مهرب منه لنا جميعاً، فإن الإنسان في هذا العمر بحاجة إلى رعاية خاصة من جانب عائلته، ولكن هناك من دارت بهم الأيام، وتخلى عنهم أبناؤهم وأقرباؤهم، ولم يجدوا سوى أصحاب الأيدي الخيرة الذين لا يتوانون عن مد يد المساعدة لهؤلاء الناس من الفئة العمرية التي تشكل نسبة لا بأس بها في مجتمعنا.
انطلاقاً من ذلك وإحساساً بالمسؤولية تجاه هذه الفئة العمرية التي لا حول لها ولا قوة، بعد أن أعطت الكثير، تم إيجاد العديد من دور الرعاية الخاصة بالمسنين للأخذ بيدها، وتأمين حياة كريمة لما تبقى لها في أيام عمرها. من هنا، تلقي «أوان» الضوء في هذا التحقيق على دور المسنين وأهميتها في الأخذ بيد من لا عون لهم من أصحاب الفئة العمرية المتقدمة، وغير القادرين على التأمين لأنفسهم جزئياً أو كلياً، ما يؤمنه الشخص العادي لنفسه من ضرورات الحياة الطبيعية، بسبب سنه أو نتيجة قصور قدراته البدنية أو العقلية أو النفسية، بالإضافة إلى الخدمات والنشاطات التي تقوم بها.

البداية كانت مع غنيم الماجدي الأخصائي الاجتماعي بقسم رعاية المسنين الذي أشار إلى أن الحالات التي تأتي إلى الدار تعاني من العديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية، وأيضاً الصحية، بسبب عدم وجود أحد يرعى هذا المسن أو عدم وجود مسكن يأويه، مؤكداً أنه عندما يأتي المسن إلى الدار، فإن أغلبية المشاكل التي كان يعاني منها في الخارج تنتهي، ومن أهمها الوحدة والعزلة، حيث يعتبر كل من في الدار بمثابة أسرته التي تقدم له الرعاية والاهتمام، وتتم تلبية جميع احتياجاته العامة والشخصية.
تخلص المسن من العزلة
وعن الدور الذي يمكن أن يلعبه الأخصائي الاجتماعي في خدمة المسن، قال «يظهر هذا الدور في كيفية رعاية المسن بطريقة سليمة وإبعاده عن جو العزلة عن طريق تنظيم برامج الترفيه، ونحن نقوم ببرنامج شهري للمسن لإشراكه في جميع الأنشطة الداخلية في الدار والتي تتمثل في الاحتفالات داخل القسم، بالإضافة إلى الرحلات التي تقوم بها الدار في جميع مناطق الكويت، وذلك من أجل أن يشعر بأنه عضو مهم وفعال في المجتمع، وأيضاً لانتشاله من جو العزلة والشعور بالملل».
تقبّل الواقع والتعايش معه
بدوره، قال فيصل العازمي أخصائي نفسي بدار رعاية المسنين «إن دور الأخصائي النفسي هو مساعدة المسن على تقبل الوضع القائم، والتعايش معه، ومحاولة إخراجه من دائرة التفكير في أن دوره في الحياة قد انتهى، وأنه ينتظر الموت، فأقوم كأخصائي نفسي بمحاولة تعبئة وقته من خلال الخروج إلى الأسواق والمنتزهات»، مضيفاً أن حاجة المسن إلى الخروج من جو الوحدة والعزلة يحتاج إلى 6 أشهر.
أهل الدار
أما نزلاء الدار، فأكدوا لنا حسن التعامل والرعاية الشاملة التي يتلقونها داخل الدار، ويحكي العم فهد الشمري (مسن عمره 78 عاماً) قصته، قائلاً «كنت أعمل في السابق راعيا للإبل لدى أحد أصدقائي، وعندما مرضت وساءت حالتي الصحية دخلت مستشفى الجهراء، حيث كنت أعاني من مشاكل في إحدى قدمي، الأمر الذي أدى إلى بترها، وبعدها قام صديقي بتقديم طلب إلى دار المسنين التي استجابت لطلبي، ما أدى إلى تحسن حالتي الصحية والنفسية أكثر مما كانت عليه من قبل، ويقوم صديقي وأبناؤه بزيارتي».
وبالنسبة لما تقدمه له الدار، أوضح أنه يتلقى الرعاية الكاملة والاهتمام اللازم، بالإضافة إلى مساعدته على حل جميع المشاكل التي يمكن أن تعترض طريقه.
أما العم كرم وعمره (86 عاماً)، فهو مسن لم يسبق له الزواج، وكان يعمل قارئاً للقرآن في إحدى الحسينيات، ولا يوجد من يرعاه، وليس لديه مسكن، وكان يعيش على إحسان أهل الخير، ولكن مع تقدم عمره وشدة المرض، لم يستطع العمل، ما دفع أحد فاعلي الخير أن يتقدم بطلب لدخوله دار المسنين، وبالفعل تم قبوله بعد بحث حالته، وبعد دخوله الدار أصبحت حالته مستقرة نفسياً واجتماعياً وصحياً، وبات يشعر بأنه عضو مهم وفعال في المجتمع، وذلك بعد اندماجه مع العاملين والمسنين، ومشاركته في الأنشطة المختلفة للدار. وفيما يتعلق بالمعاملة التي يتلقاها، قال «نعامل معاملة جيدة، وكل مطالبنا مستجابة وليست هناك أي مشاكل».
خدمة إيوائية ومنزلية
من جانبه، أكد علي حسن مدير إدارة رعاية المسنين، أن ما تقدمه الإدارة للمسنين هي الخدمة الإيوائية والمنزلية المتنقلة والرعاية النهارية، فالإيوائية تعتبر داراً لرعاية المسنين، وتختص بإيواء المسنين من سن 60 سنة، وأكثر النزلاء هم من الذكور والإناث الذين يعانون من الشيخوخة، أو من عجزت أسرهم عن تلبية بعض احتياجاتهم الضرورية، ولاسيما الحالات الصحية التي تحتاج إلى عناية خاصة.
وأضاف، أما الخدمة المنزلية المتنقلة فهي عبارة عن فرق فنية تقوم بزيارة المسنين في منازلهم على فترتين صباحية ومسائية، والصباحية تقتصر على البرامج والأنشطة والخطط العلاجية في الجانب النفسي والاجتماعي، والفترة المسائية تقدم الخدمات الطبية التأهيلية الصحية لهم، وخدمة العلاج الطبيعي والغذائي، وكذلك التوعية الدينية والعمل على تلبية حاجاتهم.
ولفت إلى أنه من الخدمات التي تقدمها الدار أيضاً الرعاية النهارية، وهي عبارة عن مركز يضم ديوانيتين، الأولى خاصة بالرجال والثانية للنساء، وتستقبل كبار السن بشكل يومي من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً، ويقضون فيها وقت الفراغ، ويتم الترفيه فيها عن أنفسهم، بعيداً عن الوحدة والعزلة في المنزل.
وذلك بوجود اختصاصيين نفسيين وملاحظي خدمة اجتماعية، لتلبية جميع احتياجاتهم، بالإضافة إلى وجود عيادة متخصصة بالعلاج الطبيعي