إدمان شبابنا الإنترنت.. انفتاح أم عزلة؟

يدخل الشاب النحيل عبدالله منزله ليجد مجموعة من الضيوف يتناولون الطعام مع والده، يلقي تحية عابرة بخجل، ويكمل طريقة إلى حجرته مغلقاً الباب في وجه دعوات الضيوف له بالمشاركة والتحيات والسؤال عن الصحة والأحوال.
يدخل الشاب النحيل عبدالله منزله ليجد مجموعة من الضيوف يتناولون الطعام مع والده، يلقي تحية عابرة بخجل، ويكمل طريقة إلى حجرته مغلقاً الباب في وجه دعوات الضيوف له بالمشاركة والتحيات والسؤال عن الصحة والأحوال.


علامات الاستفهام التي ارتسمت على قسمات وجوه الضيوف نتيجة انطوائية الشاب المستغربة، لم يمحها تعقيب بوعبدالله «هو على هذه الحال دائما، يقضي جلّ وقته مع الإنترنت».
وتحذّر دراسة أكاديمية من ارتفاع كبير في معدلات استخدام الإنترنت تصل إلى مرحلة الإدمان، لافتة إلى وجود علاقة بين الانخراط في استخدام الإنترنت والعزلة الاجتماعية، والتي تعتبر بعداً من أبعاد الاغتراب الاجتماعي.
وتقول الدراسة التي أجراها اثنان من أبرز أساتذة قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية في جامعة الكويت، وهما د.حمود فهد القشعان، ود.يعقوب يوسف الكندري، إن التأثير الاجتماعي لاستخدام شبكة الإنترنت على الشباب في المجتمع الكويتي يأتي نتيجة للجاذبية الهائلة التي تتمتع بها شبكة الانترنت، وذلك لعدة أسباب منها سهولة استخدامها والحصول عليها، إضافة إلى كونها مغرية للتعلم والاستزادة.
وتؤكد الدراسة أن ما يعزز فكرة تأثير الأقران في انتشار التكنولوجيا الحديثة وما يحمله هذا الانتشار والتناقل غير المراقب من أخطار، هو النسبة اللافتة لمن تعلموا استخدام الإنترنت بواسطة أصدقائهم، والأخرى الضئيلة ممن تعلموا استخدامه على أيدي أولياء أمورهم، وهي النسبة التي تدنت إلى 2 % فقط.
وتكشف الدراسة التي تركزت عينتها البحثية على طلبة في جامعة الكويت عن مؤشرات خطيرة لاستخدام الشباب الكويتي للانترنت، من أبرزها أن نسبة كبيرة تعادل 63.3 % من أفراد العينة يستخدمون الإنترنت بمفردهم ودون مراقبة أسرية، واتجاه الشباب لتكوين علاقات غير شرعية عبر الشبكة العنكبوتية، وذلك من خلال الاتصال الإلكتروني باستخدام برامج المحادثة المختلفة، منبهةً إلى أن سلوك بعض الشباب عبر الشبكة يتسم بشيء من الانحراف في ظل غياب الرصد، وأن هذا السلوك المنحرف يبرز من خلال دخول المواقع الإباحية واستخدام أسماء مستعارة عند إجراء عملية المحادثة.
العلاقات الاجتماعية
وتلفت الدراسة إلى أن كثيرا من المختصين في مجال العلوم الاجتماعية أكدوا عملية التفاعل بين التكنولوجيا والسلوك الاجتماعي. إذ إن هناك علاقة متبادلة داخل ثقافة المجتمع بين الأجزاء والعناصر المكونة له. فالسلوك الاجتماعي يتأثر بشكل كبير ومباشر بالوسائل التكنولوجية المختلفة. فالوسائل التكنولوجية المتعددة تقابلها استجابة ثقافية محددة، تتم من خلالها عملية تأثر وتأثير متبادلة بين التقنية المستخدمة وبين السلوك الاجتماعي «لا شك في أن التكنولوجيا الحديثة وما تمخضت عنه من تطور شامل وكبير خلال العقود القليلة الماضية من الزمن، أكد بما لا يقبل مجالا للشك بأنها قد وصلت إلى مرحلة تطورية في تاريخ التكنولوجيا بشكل عام أكثر مما حدث على امتداد التاريخ الإنساني على مر العصور. ولا شك في أن من أبرز وسائل التكنولوجيا الحديثة هي تلك التي تتعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصال Information Technology، وبالتحديد تلك التي تتعلق بوسائل الاتصال عبر شبكة المعلوماتية (الإنترنت)».
ويؤكد عدد من الباحثين أن التكنولوجيا والتقنيات الحديثة مثل الإنترنت، الهاتف المحمول، والوسائل الصوتية والبصرية المتحركة وغيرها من هذه التقنيات الحديثة، قد أثر بشكل كبير في حياة الإنسان وسلوكه وطريقة اتصاله بالآخرين، مشيرين أيضا إلى ارتباطها بالمعايير الاجتماعية والسلوك الاجتماعي.. هذا ما تنقله الدراسة.
وتضيف: «الإنترنت يعتبر من التقنيات الحديثة ووسيلة اتصال ومثله كثير من الوسائل الأخرى. ولكن هناك ما يميز الإنترنت عن غيره من وسائل الاتصال التكنولوجية الأخرى. وهو مستوى التفاعل الذي يجعل من المستخدمين ينتشرون في أماكن متباعدة ويبعثون برسائلهم ويستقبلون ما يشاؤون من المعلومات، فلا توجد أي وسيلة اتصال تعطي كل مشترك أو مستخدم القدرة على الاتصال بشكل فوري مع آلاف وآلاف الأشخاص، كما لا توجد وسيلة أو أداة للاتصال يستطيع من خلالها المستخدم ارسال رسالة تحمل أفكاره، آراءه، ومعتقداته، وثقافته لآلاف الأشخاص في الوقت الذي يريد عبر الإنترنت».
وتستطرد الدراسة بأن الحديث عن جهاز الحاسب الآلي والاستخدامات الخاصة بالإنترنت، يعني الحديث عن علاقات تفاعلية بين المستخدمين أنفسهم من جهة، وبين المستخدمين وجهاز الحاسوب من جهة أخرى. فلقد أثرت تكنولوجيا المعلومات هذه على كثير من النواحي الاجتماعية في حياة المجتمعات الحديثة. فأدخلت هذه التكنولوجيا حاملة معها جملة من التفاعلات السلوكية الثقافية المرتبطة معها والتي أسهمت وتسهم في أخذ دورها في التأثير على الأسرة وارتبطت معها بشكل مباشر لكونها مظهرا من مظاهر التغيّر المادي الذي أصاب المجتمعات المتحضرة، «إن هذه التطورات والتقدم في مجال تكنولوجيا المعلومات أثرت على كيفية عمل الناس وأين يعملون، ومقدار العمل بالإضافة إلى مع من يعملون ويتفاعلون. فتكنولوجيا المعلومات أثرت بشكل كبير على عملية التفاعل الفردي والجماعي داخل المحيط الأسري وداخل المحيط الاجتماعي للمجتمع الأكبر».
مستخدمو الإنترنت
ويمكن تقسيم مستخدمي الإنترنت إلى فئتين أساسيتين، هما؛ مستخدمو الشبكة لأغراض ولأهداف واضحة ومحددة، سواء أكانت هذه الأهداف أهدافا أكاديمية، علمية، تجارية، أو إدارية أو غيرها، ومستخدمو الشبكة لأغراض ترفيهية، ولشغل وقت الفراغ. وهنا تكمن المشكلة، فهم في الغالب من الفئات السنية الصغيرة والمراهقين وفئات الشباب، والذين يجدون في الإنترنت متعة وفائدة ترفيهية أكثر من أي شيء آخر. ولعل انتشار ما يسمى «بالإنترنت كافيه» (مقاهي الإنترنت) بهذه الصورة الكبيرة، لهو دليل قاطع على استخدام هذه الوسيلة للترفيه أكثر من أي شيء آخر بالنسبة للشباب وفئة المراهقين في المجتمع الكويتي. وهذا ما أكده استطلاع للرأي أجرته إحدى المجلات مؤخرا، حيث تبين من خلال الأرقام أن أغلب مستخدمي هذه المقاهي هم من فئة الشباب والمراهقين. حيث أكد أصحاب المقاهي التي تم إجراء المقابلات معهم على هذه الحقيقة التي دعمتها الإحصائيات الخاصة بهذا الاستطلاع الذي أكد أن 80 % من الأفراد المرتادين لهذه المقاهي هم دون الـ30 عاما، ولذلك فإن الفئات الشبابية هم أكثر استخداما للإنترنت، وهم أكثر إساءة لهذه التقنية. وبالتالي، من الممكن جدا أن يرتبط سوء الاستخدام ببعض الآثار الاجتماعية والنفسية من جراء هذا الاستخدام. فهناك أمور مغرية بالنسبة لهذه الفئة بأن تقضي الساعات الطويلة أمام جهاز الحاسب الآلي مستخدمين الإنترنت، والذي من الممكن أن يؤثر على العلاقات الاجتماعية الحقيقية.
تأثر السلوك الإنساني
وتؤكد الدراسة أن كثيرا من الدراسات تنبه إلى أن مشاهدة التلفاز تؤثر في السلوك الإنساني، وتقلل بشكل كبير من النشاطات الاجتماعية. فبمقدار الوقت الذي يقضيه الأشخاص بمشاهدة التلفزيون، بمقدار ما يكونون غير مرتبطين اجتماعياً ونشاطياً.
إلى ذلك، يرتبط إدمان الإنترنت بكثير من المشكلات الاجتماعية. فهو من الممكن أن يؤدي إلى الطلاق وفقدان الوظيفة، على سبيل المثال. كما أن إدمان الإنترنت يعتبر حالة من حالات الاعتلال في القدرة على التخلص والاستغناء عن الاستخدام، مثله مثل الإدمان على المخدرات والكحوليات. كما أن هذا الإدمان يحدث تداخلات في المفاهيم العامة للحياة الإنسانية. ومن أهم هذه التداخلات، تلك التي تتعلق بتنظيم الوقت. وتعتبر فئة صغار السن من أكثر الفئات تعرضا لهذا النوع من المشاكل.
كما سجل مستخدمو جهاز الحاسوب والإنترنت انخفاضاً في معدلات التفاعل الأسري، والدائرة الاجتماعية المحيطة مع علاقة مباشرة في معدل الوقت الذي يقضونه باستخدام الإنترنت.
النتائج
تحاول الدراسة إبراز التأثيرات الاجتماعية الناتجة عن استخدام الإنترنت على فئة الشباب في المجتمع الكويتي، وبالتحديد إبراز دور استخدام هذه التكنولوجيا الحديثة في تنمية العزلة الاجتماعية التي تعتبر بعداً من أبعاد الاغتراب الاجتماعي، وتكشف عن خصائص عامة لسلوك مستخدمي هذه التقنية، وتأثيرات ذلك السلوك على العلاقات الاجتماعية.
وتخلص إلى أن تكنولوجيا الإنترنت واستخداماتها بهذا الشكل الكبير والمتزايد في الآونة الأخيرة، يعكس ملاحظة أساسية في هذا الاتجاه، تنحصر في أن هذه الوسيلة والتقنية مغرية للتعلم، وسهلة المنال. فالأعداد المتزايدة من مستخدمي الإنترنت، يؤكدون هذه الحقيقة.. ففي بداية التسعينيات كان حجم مستخدمي الإنترنت في العالم أجمع يقدر بثلاثة ملايين مستخدم، ووصل إلى 40 مليون مستخدم في سنة 1995 «عام الإنترنت»، ليقفز هذا الرقم إلى 100 مليون مستخدم في سنة 1998، ومن ثم إلى 200 مليون مستخدم في سنة 1999. وهذا يؤكد حقيقة مهمة مفادها أن استخدام هذه التقنية سيفرض نفسه على المؤسسات الاجتماعية المختلفة في المجتمع بشكل قريب جداً.
كما وضحت بأن كثيرا من مستخدمي هذه التقنية قد تعلموها بمفردهم ودون مساعدة من أحد، إذ بلغت نسبة هؤلاء (46.95 %) من حجم العينة المختارة، وهو ما يعكس تأثير جهاز الحاسب الآلي واندماجه بالإنترنت على الحياة الاجتماعية بشكل عام. وما يتم ملاحظاته أيضاً من خلال تعلم استخدام الإنترنت هو تأثير الأقران والأصدقاء في تعلم هذه التقنية. فالأقران والأصدقاء يقع تأثيرهم المباشر على الشخص في تعلم هذا النوع من التقنية الجديدة. فلقد بلغت نسبتهم 25 % من إجمالي أفراد العينة الذين تعلموا استخدام الإنترنت بواسطة أصدقائهم وأقرانهم، وهو ما يعزز فكرة تأثير جماعة الأقران في انتشار التكنولوجيا الحديثة.
ولعل هناك إشارة في غاية الأهمية يفترض الوقوف عندها قليلاً، وهي تلك التي تتعلق بتأثير الوالدين على أبنائهم وتعليمهم هذه التقنية. فعلى الرغم من أن أحد أبرز مسؤوليات الآباء تنحصر في تعليم أبنائهم، إلا أن الملاحظ، ومن خلال هذه التقنية واستخداماتها، أن نسبة 2 % فقط من أفراد العينة المبحوثة أجابت بأن أحد الوالدين هو من قام بتعليم ابنه أو ابنته على كيفية استخدام الإنترنت في بداية الأمر، على الرغم من وجود نسبة لا بأس بها من أولياء أمور عناصر العينة الذين يتقنون استخدام الإنترنت والتي تشكل نسبة 59.1 % من أفراد العينة، إلا أن مسؤولية تعليمهم لأبنائهم هذه التقنية قد ترك للآخرين الذين من الممكن أن يكتسب منهم الشخص بعض السلوكيات الضارة عبر استخدام هذا الجهاز. وهذا أيضاً قد وضحته النتائج التي تشير إلى أن 63.3 % من أفراد العينة يستخدمون الإنترنت بمفردهم ودون مراقبة أسرية، و35 % يستخدمونه يومياً، وكثير منهم من يستخدمونه بشكل مفرط يومياً بحيث وصل المعدل العام للساعات خلال اليوم في الأيام العادية إلى أكثر من 3 ساعات.
إضافة إلى ما سبق، تكشف نتائج الدراسة عن سلوك يعكس تكوّن علاقات اجتماعية غير شرعية عبر شبكة الانترنت، وذلك من خلال الاتصال الإلكتروني، سواء أكان باستخدام برامج المحادثة IRC -والتي وضحت النتائج إلى أن 40.7 % من أفراد العينة يستخدمونها- أو من خلال التراسل الصوتي وعبر الصورة في كثير من الأحيان. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتعداه ليشمل الدخول إلى مواقع إباحية، ومواقع ترتبط ببعض المفاهيم الغربية الخطرة، والتي أخذ المجتمع الغربي نفسه بمحاربتها. كما تبين الدراسة أن غالبية مستخدمي الشبكة يستخدمون أسماء مستعارة عند عملية المحادثة مع الآخرين، الأمر الذي يؤكد إن سلوك البعض عبر الشبكة يتسم بشيء من الانحراف في ظل غياب الرقابة الأسرية.
وتشير النتائج إلى ارتفاع معدلات استخدام الإنترنت في الأيام العادية بالنسبة للذكور عن 3.26 ساعات وللإناث عن 2.98 ساعة، بينما تجاوزت ذلك في أيام العطل والإجازات لتصل إلى 5.43 ساعات للذكور و 4.43 بالنسبة للإناث. الأمر الذي قد يولد نوعاً من أنواع السلوك السلبي على الفرد في مجمل علاقاته الاجتماعية، وهو ما تدعمه نتائج الدراسة التي تشير إلى وجود علاقة بين الانخراط في استخدام الإنترنت والعزلة الاجتماعية التي، كما سبقت الإشارة، بأنها تعتبر بعداً من أبعاد الاغتراب الاجتماعي، حيث أكدت النتائج أنه كلما زاد الفرد من استخدامه للإنترنت زادت معه عزلته الاجتماعية. إضافة إلى ذلك، فكلما زاد عدد الساعات في استخدام الفرد للإنترنت، قل الوقت الذي يقضيه مع أشخاص حقيقيين وتكوين علاقات اجتماعية مباشرة معهم.
خيوط شبكة العنكبوت تصل الكويت
لعل المراقب للأوضاع الاجتماعية السائدة يرى أن استخدام وسائل الاتصال الحديثة عبر شبكة المعلومات (الإنترنت)، بدأ يتجه في طريقه للتأثير على البناء الاجتماعي في المجتمع الكويتي الذي استمد واستعار هذا العنصر الثقافي وهذه التكنولوجيا الحديثة خلال العقد الحالي، وبدأ باستخدامها بشكل متزايد ومطرد، فدخلت هذه التكنولوجيا من أوسع أبوابها في المجتمع الكويتي، حاملة معها بعض التأثيرات الاجتماعية والنفسية كنتيجة محتمة فرضتها عملية التفاعل بين السلوك الاجتماعي والتكنولوجيا.
وتعتبر الكويت واحدة من أوائل الدول في منطقة الشرق الأوسط -إن لم تكن أولها- التي أدخلت هذه التكنولوجيا وبدأت باستخدامها.. فجامعة الكويت من أوائل المؤسسات في العالم العربي التي بدأت باستخدام شبكة المعلومات (الإنترنت)، وبالتحديد في فبراير من سنة 1992.