عرف مصطلح «التتر» كمقدمة أو خاتمة موسيقية وغنائية ترافق المسلسلات، فقديما كان الغناء فرديًا ومحددًا، الآن الغناء باسم المسلسلات والأعمال الفنية، فهذه أغاني «ليالي الحلمية» وتلك أغاني «الأيام» وثالثة «المال والبنون» وكلها أسماء مسلسلات ناجحة.
ما حكاية «التترات»؟ وكيف يراها الفنانون والنقاد؟ وكيف استوعب السوق الفني هذه الأشكال من الغناء الفردي والجماعي داخل المسلسل وأوله وآخره؟
أصبح التتر من الأمور التي يحرص عليها المخرجون والقائمون على العملية الفنية.
يرى الفنان الموسيقار عمار الشريعي أن تلحين التترات عملية صعبة للغاية وتختلف عن تلحين الأغنية العادية، فالتلحين في حال المسلسل يقتضي المعايشة الدرامية التامة لحوادثه وتفاصيله الدقيقة، فيجب على الملحن الإلمام بالمواقف الدرامية ودراستها قبل وضع اللحن المطلوب، كما يشترط المعايشة لمجمل الحوادث والوقائع حتى تأتي موسيقاه نابعة من قلب المناخ الدرامي للعمل.
يقول عمار الشريعي إن الموسيقى التصويرية سواء في الأفلام السينمائية أو المسلسلات ليس المقصود بها صرف الأنظار عن العمل الدرامي ولكنها جزء مكمل وأصيل، فهي ليست خارجة عن السياق الدرامي وليست بعيدة عنه، كما أنها ليست ترجمة للحوار لكنها يجب أن تظل تحمل شخوصها المستقلة وأن تظل معبرة عن البيئة داخل العمل الفني.
ويشير الشريعي إلى البداية في أغاني المسلسلات ويردها للفنان هاني مهني صاحب الموسيقى التصويرية وأغاني مسلسل «الدوامة» في السبعينات الذي أخرجه نور الدمرداش، فلولا هذه البداية لما جاءت أعمال الشريعي المتميزة: «زينب والعرش» «رأفت الهجان» «دموع في عيون وقحة» التي أصبحت علامة الجودة وغيرها من الأعمال الناجحة.
يقول الفنان المطرب علي الحجار صاحب التترات المتميزة: «إن الغناء في التترات يحتاج إلى حنجرة قوية وقدرة على التلون الدرامي والتصوير». ولعل ذلك كان سبب نجاح المسلسلات التى شارك فيها.
ومما ساعد على نجاح الأغنيات تلك الكلمات القوية والصور الشعرية، مما يعنى أغنية أقرب إلى الشعر، وقد تألق في أغاني التترات عدد من الشعراء مثل: «عبد الرحمن الأبنودي، سيد حجاب، إبراهيم عبدالفتاح، عبدالسلام أمين، صلاح جاهين، وهكذا أصبح التتر جنسًا غنائيًا يختلف في بنائه ومواقفه الدرامية وحتى مقاماته الموسيقية عن غيره من الأغاني.
الموسيقى التصويرية
وقد لمعت أسماء شابة من الملحنين استوعبت كل هذا التطور وقدمت موسيقى تصويرية جديدة في شكلها وجملها الموسيقية بما لها من قدرة على التصوير والتجسيد والتعبير واستيعاب العمل الدرامي وبذلك باتت الموسيقى التصويرية بعدًا وعمقًا داخل العمل الفني.
كانت موسيقى فيلم «ناصر 56» هي البداية القوية للفنان ياسر عبدالرحمن الذي راح يبحث في تاريخ الآلات الموسيقية ويستحضر منها الآلات الشعبية مثل الربابة والأرغول والسمسمية ونجح في إدخالها الاوركسترا فأصبحت مذاقًا جديدًا ونوعيًا في حوارها مع الآلات الأخرى.
كما قام ياسر عبدالرحمن ببعث آلة الأكورديون ووضعها في مكانها داخل الاوركسترا وبذلك تنوعت الآلات واختلفت الألحان وأصبحت موسيقى ياسر عبدالرحمن لافتة ومتميزة وحاضرة مثل فيلم «أيام السادات» والعديد من المسلسلات الناجحة ومنها: «المال والبنون» و «الضوء الشارد» و «الليل وآخره» وغيرها.
ويشرح ياسر عبدالرحمن رؤيته للموسيقى التصويرية، ويقول: «أعتمد في أعماقي على المزج بين التلقائية وعلم الموسيقى، فأنا أقوم بدراسة العمل وبيئته والوقوف على كل تفاصيله، كما أقوم بدراسة الشخصيات داخل العمل وحدودها وطبيعة تفكيرها بحيث تتوفر لديّ المادة التى تثير خيالي. وعلى أساسها أقوم بوضع الموسيقى. ففي مسلسل «الضوء الشارد» درست البيئة الصعيدية وأدركت أن الآلات النحاسية والوتريات والربابة أنسب في التعبير عن الجملة الموسيقية عن غيرها من الآلات كان لهذه الآلات تأثير كبير في إبراز الموسيقى على هذا النحو.
أما الفنان منير الوسيمي فقد حقق نجاحًا ملحوظًا في مجال الموسيقى التصويرية وموسيقى التتر، وكان قد قدم أغاني ناجحة لكبار المطربين والمطربات في الوطن العربي، وجاءت موسيقاه مستوحاة من التراث الشعبي المصري.
وضع الوسيمي للعديد من الأفلام والمسرحيات فهو يعتمد في الجملة الموسيقية على التراث الشعبي وأغاني الأفراح والمناسبات الاجتماعية والدينية في عمق الريف المصري، وليست مصادفة أن أشهر ألحان الفنانة الشعبية فاطمة عيد من تلحين الموسيقار منير الوسيمي، فقد توافقت الرؤية ونجح الثنائي في تقديم أعمال من صميم الحياة يرددها الجميع في الإخراج والمناسبات المختلفة.
على رغم مرور أكثر من 20 عامًا على مسلسل أبو العلا البشري لاتزال أغانيه تباع في الأسواق وهي لعلي الحجار وكلمات الشاعر سيد حجاب وألحان عمار الشريعي، كذلك الحال في مسلسل «ليالي الحلمية»، فالجميع يردد: «ومنين بيجي الشجن من اختلاف الزمن ومنين بيجي الهوى من ائتلاف الهوى.. ومنين بيجي الرضا.. من الإيمان بالقضا:.
فعلى مدى خمسة أجزاء ظل هذا التتر يتردد بلحنه الجميل وكلماته البسيطة المؤثرة وغناء الحجار الشجي الحزين.
وقد اقتحم ملحنون وموسيقيون عدة مجال المسلسلات والموسيقى التصويرية مثل مودي الإمام وشقيقه حسين الإمام كذلك الملحن محمود طلعت وعمرو مصطفى وقدموا جميعًا أعمالاً ناجحة مثل «قلب الخطر» التي غناها المطرب محمد منير ومسلسل «جريمة في الساحل الشمالي» و «عادت القلوب» وغنى التتر الفنان هاني شاكر ومسلسل «حكايات البنات» الذي غنى مقدمته المطرب مدحت صالح.