التحرش الجنسي بالأطفال.. متى نكسر جدار الصمت؟

يعد التحرش الجنسي بالأطفال من القضايا التي تؤرق العالم أجمع، ما دفع بعض الدول لسن قوانين رادعة للمتحرشين بالأطفال. وتعد هذه القضية من أخطر القضايا الاجتماعية التي يتم التكتم عليها خشية الفضيحة العائلية أو العار الاجتماعي، دون بذل جهود كبيرة لاستئصالها من مجتمعاتنا العربية ما يجعلها ماضية في الاستفحال، غير مستجيبة لما يقدم حيالها من حلول لاسيما وأنها حلول مؤقتة غير ناجعة.
إيذاء الأطفال جنسياً (ذكوراً وإناثاً)، ظاهرة ليست نادرة في مجتمعاتنا، وهي ظاهرة مغلقة ومقلقة ويلفها الصمت والحذر والكتمان، وتصدم الذوق العام والحس السليم وتصدمنا جميعاً حين ندرك أن بنات صغيرات وأطفالاً صغارا يمكن أن يتعرضوا للتحرش أو الإيذاء الجنسي من قبل البالغين.
وتستخدم عادة أساليب التودد والترغيب والملاطفة للطفل للوصول إلى التحرش والممارسة الجنسية، مثل إعطاء الهدايا والنقود وغير ذلك، كما تستخدم أساليب الترهيب والتهديد والإجبار المتنوعة.. ويستعمل المعتدي أسلوب التخويف والتهديد بالانتقام للتأثير على الطفل ومنعه من إفشاء السر والكشف عن الاعتداء للأهل والآخرين.
«أوان» ألقت الضوء على هذه المشكلة التي عانى منها كثير من الأسر من خلال هذا التحقيق مع بعض الأطراف المعنية وأصحاب الاختصاص.

البداية كانت مع إيمان التي قالت: معظم الأطفال تعرضوا لنوع من أنواع التحرش الجنسي، وأنا واحدة منهم، وللأسف كان التحرش من أقرب الناس لي ألا وهو أخي الذي يصغرني سناً، وحدث هذا عندما كان في فترة البلوغ، وكنا ننام في غرفة واحدة وعلى نفس الأسرة، وكم استيقظت ليلاً بسبب إحساسي بملامسته لي من خلف ظهري، وكذلك حصل مع أخواتي البنات، وكنا نخجل من البوح لأمنا بما نتعرض له ليلاً من قبل شقيقنا الذي كان من المفترض أن يكون أشد وأحرص الناس علينا.
البقال أبو حكيم
من جهتها، تعرضت السيدة ع.ر للتحرش من قبل البقال الذي طالما أرسلتها والدتها إليه لتشتري بعض احتياجاتها، وتسرد ع.ر قصتها مع البقال(أبو حكيم) قائلة: لن أنسى ذلك اليوم عندما أرسلتني أمي إلى البقال، وكنت أبلغ من العمر آنذاك سبع أو ثماني سنوات، فدخلت لعنده وقلت له إن والدتي تريد نوعاً من البهارات، فطلب مني الدخول إلى رف البهارات، فانصعت لأوامره بكل براءة، وإذ به يقف من خلفي محاولاً الاقتراب مني وملاطفتي، تملكني في تلك اللحظة إحساس بالخوف وشعور بعدم الراحة بالرغم من أنه كان يحاول إظهار كل الطيبة والمودة، فركضت مسرعة نحو الباب، وقلت له: سأعود لاحقاً لأنني نسيت ما طلبته والدتي مني، وعدت بعدها إلى البيت، ولم أستطع إخبار والدتي بما حصل معي من شدة خوفي، وكان العذر الذي قدمته لها أن البقالة مغلقة، وبقيت سنوات عديدة أبدل طريقي من أمام البقال أبو حكيم خوفا منه، ولم أبح بسري لأحد حتى كبرت وتزوجت وأصبح عندي أطفال أخاف عليهم.
حارس العمارة
وفي السياق ذاته، تقول أم بدر: تعرض أحد أبنائي لمحاولة تحرش من قبل حارس العمارة التي كنا نقطنها سابقاً ولم يكن ابني الوحيد الذي تعرض لهذا الموقف، بل أطفال كثر، وكان الحارس يبدو لطيفاً ويحب الأطفال كثيراً، وكان سكان العمارة يتعاملون معه بكل لطف وود.. وفي أحد الأيام كنت جالسة مع ابني محاولة تنبيهه وتحذيره من الغرباء الذين يدخلون العمارة ومن الأولاد غيرالمؤدبين، وإذ به يخبرني بأن الحارس طلب منه (فسخ بنطلونه) وهو لم يستجب وفر هارباً، فلم أتكتم عن الموضوع وأخبرت زوجي وأهالي العمارة وصاحب العمارة الذي قام بطرده خارج البلاد.
الرأي الاجتماعي
وبدورها، فندت أخصائية علم الاجتماع والنفس د.هدى جعفر الدوافع التي تقف وراء هذا السلوك عبر تعريفها التحرش الجنسي بأنه مظهر سلوكي خاطئ ومحرم شرعاً وقانوناً، وهو يتضمن سلوكا جنسيا دون رغبة أحد الطرفين فيه. والتحرش الجنسي يأخذ أشكالا متعددة منها لفظي أو فعل أو إيماءات.
أما أسباب التحرش الجنسي فهي كثيرة، يمكننا ذكر بعض منها:
اضطراب هرموني لدى الفرد يدفعه لهذا السلوك، إهمال الوالدين للأبناء وعدم توجيههم وتوضيح الخطأ والصواب لهم وتركهم يستكشفون الحياة بأنفسهم، بما فيها التغيرات الجنسية التي تحدث له كنتيجة طبيعية للنمو الجسمي الفسيولوجي، التعرض للمثيرات الجنسية، سواء عن طريق التلفزيون والجرائد والمجلات والانترنت في فترة مبكرة من حياة الفرد بدون رقابة، تعرض الفرد نفسه لتحرش جنسي في فترة ما من حياته، عدم الفصل المبكر بين الأبناء من الجنسين في المبيت وفي غرف النوم وعدم الفصل يعرض الأولاد والبنات لخبرات جنسية في وقت مبكر جداً.
وأوضحت أنه بالإضافة إلى ذلك، يلعب ضعف شخصية الفرد وسرعة تأثره برفاق السوء الذين يزينون له الفعل ورغبته في تقليدهم ومسايرتهم حتى يكسب رضاهم واستمرار علاقته بهم، دوراً في دفع البعض إلى القيام بهذه الأمور.
وطالبت د.جعفر بضرورة تشديد القوانين والعقوبات على مرتكبي التحرش الجنسي حتى يكون ذلك رادعاً لهم عن القيام بمثل هذه الأمور.
الرأي النفسي
في السياق ذاته، أكدت د.سميرة دهراب استشارية الإرشاد النفسي والتربوي بالرازي للاستشارات، أن اضطرابات التنشئة الاجتماعية في مرحلة الطفولة والمراهقة لها انعكاسات خطيرة على الاتزان النفسي والانفعالي للفرد، وعدم إحساسه باللذة والسعادة، والتي يحاول بعد ذلك ان ينشدها بطرق شاذة.
وأوضحت أن هناك صراعاً بين هيجان الرغبة الجنسية من جهة والمعايير الاجتماعية والأخلاقية من جهة أخرى، مع وجود موانع للاتصال الجنسي كالإحباط والخوف والكبت، بالإضافة إلى الخبرات الجنسية الصادمة ووفرة المثيرات الجنسية المهيجة في بيئة الفرد ووسائل الإعلام، ومع نقص الوازع الديني والأخلاقي وغياب الضمير يحدث ما نسمع عنه من تحرشات جنسية بالأطفال.
«لا تفتحوا عيون الصغار»
كما بينت دهراب أنه لابد من طرق باب «الوقاية خير من العلاج»، حيث إن التربية الجنسية تلعب دوراً بارزاً في توعية الطفل وتبصيره بجسمه، حتى لا يكون هدفاً سهلاً لذوي النفوس الضعيفة، كما أن مصطلح التربية الجنسية قد يثير حفيظة البعض باعتباره منحصراً فقط في العلاقة الحميمية ما بين الرجل والمرأة، ومن ثم يحملون شعار «لا تفتحوا عيون الصغار»، إنما الأمر أبعد من ذلك وأكثر تهذيباً مما يعتقدون، فهي ثقافة علمية يتعلم الطفل من خلالها النظافة الشخصية، ويعي الأجزاء الحميمة من جسده التي ينبغي ألا يسمح لأحد بلمسها أو النظر إليها، كما توفر له المعرفة الموجهة والإرشاد المهذب لما ينبغي التعامل معه فترة البلوغ من تغيرات جسدية وأمور طارئة، بدلاً من استقاء المعلومات ممن قد يتصيدونه نظراً لجهله وقلة خبرته.
وأضافت: إن التربية الجنسية تندرج تحت مظلة التربية الأخلاقية التي ترقى بالطفل والمراهق فتجعله أكثر تهذيباً من هذه الناحية وأكثر مقدرة على الحديث بحرية عما قد يتفاعل بداخله من أسئلة واستفسارات، كما تتيح له المجال ليتحدث إلى سلطة أعلى (الوالدين أو المعلم) إذا ما تعرض للتحرش الجنسي من قبل الآخرين.
وتحدثت دهراب عن أهمية التربية الدينية كوسيلة هامة لتهذيب النفوس وتهيئة الدرع الواقي دون الانزلاق في ممارسات خاطئة بقصد أو دون قصد، حيث يلم الطفل بالضوابط الأخلاقية التي ينيبغي مراعاتها في التعامل مع الجنسين، بحيث يعرف حدود العلاقة التي تربطه بالآخرين في ظل التعاليم الدينية والقيم الأخلاقية. ودعت إلى ضرورة تعويد الأسرة للطفل على حرية التعبير بحيث يشعر بالأمان عند البوح للوالدين في حالة ما إذا تعرض للأذى الجنسي. وهذا الأمر يتطلب أن يكون الوالدان ذوي عقلية منفتحة ويتحليان بالصراحة باستخدام لغة تتناسب مع عمر الطفل ومستوى فهمه وإدراكه، دون تهويل الأمر وإحالته إلى هاجس مخيف بالنسبة للطفل.
الخدم والمحارم
وبينت أنه ليس الخدم فحسب الذين ينبغي أن نحذر منهم، فهناك أيضاً المحارم، وقد لا تكون الإشارة لهؤلاء بإصبع الاتهام مقبولة بحسب الفطرة الإنسانية والتربية الدينية التي نشأنا عليها، لكن هناك ضحايا من الأطفال وردت إلينا في مجال عملنا وكان الجناة فيها -للأسف- هم من المحارم المفترض بهم حماية الطفل من الأذى، لكن هؤلاء يشكون من شذوذات نفسية عن الفطرة التي فطرها الله، ولذلك فإن الشريعة الإسلامية تغلظ أحكام العقاب بحقهم. وتابعت إن مثل هؤلاء هم بحاجة إلى علاج نفسي حتى لا يزداد عدد ضحاياهم الذين يحملون بداخلهم جمرات ملتهبة من الخوف والغضب والألم والتي ربما تزداد حرقة مع الزمن حتى يتحول تلك الضحية حين يكبر إلى جانٍ ظالم، وكأنه ينتقم مما حدث له عندما كان صغيراً.

No comments

Powered by Blogger.