تحفة فنية ومتحف لفنون العمارة العربية والإسلامية، تم فيه عمل عرض كامل وشامل لكافة الفنون التي حوتها العمارة الاسلامية، عن طريق استغلال الفراغ الأفقي والرأسي في روعة غير مسبوقة في عالم العمارة. إنه بناء يبعث على الإلهام ،بني بطريقة خاصة جعلت منه اعجوبة من عجائب الفن المعماري الحديث، فهو قادر على امتصاص الحرارة وعكس ضوء الشمس، مما مكنه من تحمل اعلى درجات الحرارة.
الدهشة تبدأ عند المدخل الأثري حيث الباب الضخم المصنوع على الطريقة الفاطمية، ذي الأقسام الفسيفسائية المشغولة حرفيا والمعمولة من خشب الجوز الأميركي داخل نماذج على شكل نجوم زخرفية فضية ونحاسية، أما إطاره فهو من حجر تونسي منحوت يدوياً، صفائح الباب والتي تزن كل واحدة منها طنا، هي أثقل من أن تحملها مفاصل عادية ولهذا فهي معلقة من الأعلى ومن الأسفل بطريقة تقنية تقليدية تسمح لها بالفتح والإغلاق بسهولة.
يقود الباب الرئيسي الى الردهة الرئيسية للمبنى الذي تتوسطه نافورة صنعت من الفسيفساء المغربي، بذل الحرفيون فيها جهدا مضنيا تمثل في جمع التصاميم الهندسية المعقدة، وتغطي صورة خزفية الحائط بأكمله من الأرضية وحتى السقف، في حين يتدفق خيط من المياه من الحائط إلى حوض زخرفي على الأرض صنع هو ايضا من الفسيفساء. في الردهة المقابلة، يوجد قرميد متداخل منحوت على شكل أزهار يستخدم كأوعية للنباتات، فيظهر بذلك توازن إيجابي سلبي بين كِلا العمليْن الزخرفيين، وهناك ثلاثة أنماط تزيين إسلامية أساسية في هذه الأعمال الفسيفسائية، وبالطبع في المبنى ككل، وهي التصاميم الهندسية، التصاميم الزهرية والنباتية، وفن الخط العربي.
الباب المؤدي الى المكتبة تم حجبه بطريقة ذكية في الحائط، هذا الباب يؤدي إلى محيط هادئ على يمينه يوجد بابان مغربيان مدهونان يدويا ويؤديان إلى ردهة تشكل بحد ذاتها عملا فنيا. في نهاية هذه الردهة، توجد اخرى متعددة الاستخدامات، وهي عبارة عن غرفة اجتماعات كبيرة مجهزة بأحدث التقنيات، جدرانها مزخرفة بثلاث منسوجات كبيرة مكسوة بالألواح الخشبية المشغولة يدويا في تونس، تمثل فن العمارة العربية، والشعر العربي، والليل في الصحراء، ولهذه المنسوجات دور اخر اضافة الى دورها الجمالي ويتمثل هذا في تحسين الحالة الصوتية في الغرفة، بالإضافة إلى قيمتها الفنية. واهم ما يلفت انتباه الزائر هو تلك اللوحة الرخامية التي تشكل جزءا من الجدار اليمين لغرفة الاجتماعات، هذه اللوحة تم تصميمها على شكل نجم يتشكل بفعل نوافير مائية.
إقرا ايضا :
أصفهان.. القرنفل يزينها وآثارها تحكي عراقتها
إقرا ايضا :
أصفهان.. القرنفل يزينها وآثارها تحكي عراقتها
عناصر إبداعية
يحتوي الدور الأرضي على قاعتين، هما قاعة تونس وقاعة دمشق، الاولى عبارة عن غرفة اجتماعات رسمية تزينها لوحات أنيقة تحمل الأنماط ذاتها مكررة عبر وسائط ثلاث مختلفة هي الحجر والخزف والخشب، ويحدّ لوحات الخزف إطار من الأقواس الحجرية، شأنها شأن الجدران، السقف المصنوع من خشب الأرز المحفور على النمط المغربي الشهير فاضفى على الجدران لمسة حميمة دافئة.
أما قاعة دمشق، فمخصصة للاجتماعات غير الرسمية والمناقشات الخاصة، وتحتل قلب القاعة نافورة رخامية، بينما السقف مرصوص بمشغولات زاهية الألوان والتي تم جلبها من سورية، وتحيط بالقاعة جدران من الحجر البازلتي الأصفر والأبيض والأسود، وأما الحجارة في الأقواس التي تعانق النوافذ فقد رُكّبت في مواضعها لتبدو كقطع الأحجية من دون أي خرسانة أو تكسية، وأما الظلال الخضراء والذهبية والبرتقالية للأسقف الخشبية المزينة، فتجدها أيضا في الأرضية الفسيفسائية الرخامية وفي تركيبة المقاعد المصممة على الطراز العربي التقليدي والمحيطة بالقاعة وتبدو كبطانة دافئة لجدرانها. وبعد أن يستنفذ المتأمل كل ما في ذاكرته من تعابير جميلة لوصف هذا المبنى الرائع، يرتقي بضع درجات ليصل إلى الاعلى فيجد نفسه في واحة معمارية مذهلة يغمرها النور، وينفح فيها الهواء المنعش، ثم يكتشف أنه يحتاج إلى بعض الوقت ليستوعب الخصائص العديدة التي تميّز هذا المكان غير العادي، ففي مستوى الدور الأرضي توجد نافورة من الفسيفساء مصممة على النمط السوري وعلى شكل النجمة الإسلامية، فعلى ارتفاع ثمانية طوابق فوقها يمكن للزائر ان يرى شكل النافورة منعكساً على سقف الردهة المصمم على شكل نجمة والمصنوع من المرايا.
مهارات قديمة
في الدور الأول تتجلى المهارات القديمة التي ارتقى بها الصنّاع المغاربة إلى أعلى درجات الحرفية، فيكاد جمالها ينطق في التكسية المصنوعة من الجبس وفي الفسيفساء والخشب المحفور وفن الأشغال الحجرية التي تزدان بها غرفة المصلّى، فألوان الذهب والأحمر الداكن والتركواز في الزجاج الملوّن تجدها أيضا في السجادة المغربية الضخمة التي صنعت يدويا. الدور الرابع احتوى المزيد من المفاجآت، فمثلا هناك غرفة اجتماعات عصرية بجدران مصنوعة من الزجاج المموّج، وطاولة ذات سطح زجاجي يتكئ على قواعد من الرخام وتحيط بها الكراسي من الجلد والفولاذ المصقول، كما وهناك قاعة المماليك المهيبة والتي تعود بك الى 400 سنة سابقة، هذه القاعة غطت المشربيات جميع الجدران والنوافذ فيها ليتسلل من خلالها ضوء الشمس فيضيف إلى فخامة القاعة سحرا هادئا.
إقرا ايضا في موقعنا
التوافق العمراني يحقق التنمية المتناغمة
إقرا ايضا في موقعنا
التوافق العمراني يحقق التنمية المتناغمة
المكاتب العصرية، بتصاميمها العملية، تكشف وجها آخر من وجوه فلسفة هذا المبنى، وهي خلق مساحات عمل يمكن تكييفها لتصلح لاستخدامات متعددة، والمبنى بكامله مصمم ليكون عملياً إلى أبعد الحدود، الأرضيات الاصطناعية المرفوعة تحتوي على كافة الخدمات ليتسنى بهذه الطريقة خدمة الغرفة التي تقع في أي طابق من الغرفة التي تقع فوقها، أما النوافذ الصغيرة للمبنى، بأسطحها المائلة، فقد صممت للحيلولة دون دخول أشعة الشمس مباشرة إلى المبنى، وبالتالي تخفف دخول الحرارة والوهج الشمسي، وقد تم اختيار حجر الغرانيت للأسطح الخارجية من المبنى لأنه يصمد لفترة أطول ولا يحتاج لأي صيانة تذكر.
من يتجول في أرجاء هذا المبنى غير العادي، لا بد وأن يقف مذهولاً أمام هذا التناغم في عمل الأعداد الهائلة من الحرفيين والصناع من جميع أنحاء العالم العربي ،كما ولا بد له من أن يشيد بهذا التناسق الكامل والتوافق التام بين هذا الخليط الواسع من المواد المختلفة.
معالجات بيئية
على أحد جوانب المبنى توجد تحفة هندسية رائعة هي جدار من الزجاج معلق على امتداد خمسة طوابق، وظيفته مد المبنى بالضوء الطبيعي، وفي الواقع يسمح التصميم الهندسي لهذا الجدار الزجاجي بالتحرك ،صمم هذا الجدار في الكويت من قبل العاملين في الموقع، وهو الوحيد من نوعه في العالم، وعلقت امام الجدار الزجاجي ثريات كبيرة الحجم من النحاس الأصفر صنعت في المغرب تزينها آيات من القرآن الكريم والزركشات الدقيقة، ويبلغ وزن الثريّا الواحدة منها طنّا وربع الطن وهي موصولة برافعات كهربائية خاصة لتسهيل تخفيضها ورفعها بواسطة أجهزة تحكم عن بعد لأجل الصيانة. توجد ميزة أخرى على الجدار المقابل، هذه الميزة وجود أغلى مشربية يتم صنعها في العالم، وتستخدم المشربيات عادة في الفن المعماري التقليدي العربي لتغطية النوافذ وتوفر قدر كبير من الخصوصية للمقيمين في المبنى، أما هنا فقد استخدمت كجزء لا يتجزأ من الديكور الداخلي للمبنى، وقد تم صنعها بالكامل يدويا في معهد المشربيات في القاهرة وتتكون من أكثر من أربعة ملايين قطعة صغيرة من الخشب.