فوضى ينبغي تصحيحها: التكنولوجيا

قال الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران ذات مرة، دفاعا عمّا أسماه الخصوصية الثقافية، واستثنائها من أي مفاوضات في إطار منظمة التجارة الدولية: نحن نستهلك صورا أميركية بتكنولوجيا يابانية!! ولكن الوضع اليوم تغيّر أو هو في طريق التغيّر وبشكل يكاد يكون جذريا.

نحن نستهلك الصور الأميركية بشكل مكثف، والتكنولوجيا الآسيوية بشكل أكبر، والبضائع الصينية كل يوم أكبر من اليوم الذي سبقه.

الكثير منا يملك كمبيوترا وربما أكثر، وكل منا يملك تلفزيونا ومؤكد أكثر، والكثير منا يستخدم الإنترنت إما لتصفح الكتابات المختلفة أو لممارسة الشاتينغ أو أشياء أخرى.

مسألة استخدام الأدوات التكنولوجية ليست هي الموضوع الرئيس هنا، ولكن التكنولوجيا نفسها.

لماذا نصرّ على تكديس الأدوات ونتوهم أننا ننقل التكنولوجيا بل ونوطنها؟

ينبغي أن ننتبه إلى أن التكنولوجيا هي فقط تلك النظم الصناعية التي تنتج الأدوات، وأن الذي ينتج التكنولوجيا هو العلم، وأن الذي ينتج العلم هو فلسفة العلم، وهذه نصيبنا منها ضئيل تفاؤلا.. وبهذا التوصيف، فإن ما نحصل عليه هو الأدوات ولا نملك إلا نادرا التكنولوجيا التي تنتج الأدوات، وأقل من ذلك العلم الذي ينتج التكنولوجيا، وأقل أقل من ذلك فلسفة العلم التي تنتج العلم الذي ينتج التكنولوجيا التي تنتج الأدوات.

إن الانطباع الخاطئ الذي يتشكل لدينا ونحن نركب السيارة الفارهة، ونشاهد البلازما الضخمة، ونلج عالم غوغل العجيب، ونستخدم الأدوية ومختلف المستحضرات المصنعة في مخابر الدنيا بغربها وشرقها، ونستهلك ملايين البضائع التي تنتجها التكنولوجيا التي نحترمها ولا نتحكم فيها ولا ننتج منها إلا النزر القليل، قلت: الانطباع الخاطئ الذي يتشكل لدينا هو أننا نواكب العصر.. فكل شيء في متناول أيدينا وأحيانا بأسعار معقولة ومقدور عليها من قبل أوسع الفئات الاجتماعية.

لكن إن لم ندرك أولا ثم نعمل على الاستثمار المكثف في الإنسان وتمكينه من العلوم المختلفة ثانيا، فكل هذه الأدوات التي تكلفنا المليارات تتحول في ساعات لخردوات، ونعيد الكرة في شراء غيرها، وهكذا دواليك.. لذلك فنحن نستهلك أدوات أنتجتها التكنولوجيا التي أنتجها العلم الذي أنتجته فلسفة العلم، وحظنا، تفاؤلا كما سبق القول، ضئيل جدا من التكنولوجيا ومن العلم ومن فلسفة العلم بالخصوص!!

No comments

Powered by Blogger.