عندما تتوفّى الزوجة ويصبح الزوج وحيداً مع أطفاله، لا يقتصر هَمّهُ على مشاركة الأسرة أحزانَها وحَسْب، وإنما يتسع ليشملَ الأعباء المنزلية أيضاً.
ومهما تكن مهارات الرجُل في النهوض بهذه المسؤوليات، فما من شيء يصحّح الصورة النمَطية التي تتولّد في أذهان الأطفال عندما يصبح الأب مسؤولاً وحدَه عن كل صغيرة وكبيرة في المنزل، وغالباً ما تكون علامتُها الفارقة: الفَوضى، كل الفوضى، ولا شيء إلا الفَوضى.
الفوضى بكل مظاهرها تصبح السِّمَة الأبرزَ بعد رحيل الأم، وكأنّ الترتيب المنزلي والحِمْيات الغذائية الصحية والنظافة اختارت كلّها أن ترحلَ معها، فالصحون القذرة تنتشر في كل مكان، والزيّ المدرسي متّسخ دائماً، وبقعُ الطعام تعلو سطحَ المائدة منذ الصباح، وسياسة «تقبّل كل شيء كما هو» تلخّص السلوك الغالب على سكان البيت الذي أفَلَتْ نجمتُه.
تفاصيل هذه الصورة انتشرت في بريطانيا مؤخراً من خلال فيلم سينمائي عنوانه «عندما يعود الأولاد» أُخِذَتْ قصته من مذكرات سايمون كارّ، الكاتب السياسي لدى صحيفة «ذي إندبندنت» الذي توفّيت زوجته «سوزي» بمرض السرطان العام 1994 وباتَ عليه أن يُعنى بابنه منها ألكسَندر (5 سنوات) وابنه هوغو (11 سنة) من زوجته الأولى.
يتناول الفيلم كيفية تطوّر العلاقة بين الأب ووَلدَيه في أعقاب الموت المفاجئ لزَوجته ويُقدّم صورةً لما تؤول إليه أوضاع آلاف الأزواج والزوحات الشباب كل سنة عندما يقبض ملاك الموت حياةَ أحد الشريكَين وتترتب على الآخر مَهامّ تربية الأولاد وحدَه.
تقول لينسي بلاك، من مؤسّسة «واي» المعنية بشؤون الأُسَر المَنكوبة، إن الآباء الشباب غالباً ما يبحثون عن هيئة توفّر لهم الدعمَ العمَلي والمَعنوي خارج النطاق المباشر للأسرة، وإن الرجل في معظم الحالات لا يفقد زوجة وإنما أفضل صديقة له والشخص الوحيد الذي يكون قد أودع ثقتَه الكاملة به.
وتشير لينسي بلاك إلى أن نسبة النساء اللواتي يترمّلنَ تزيد على نسبة الرجال بشكل عام، وأن 15 % من أعضاء مؤسسة «واي» من الرجال الذين يَبدون أحوجَ إلى المشورة والنصائح العملية حول كيفية تصريف الأمور اليومية بالتفصيل، إلى درجة السؤال متى ينبغي أخذ الطفل إلى الحمّام لقضاء حاجته.
وتبيّن لينسي إن الدورَ التقليدي للزوج في وجود زوجته، مثل مصادقة الأطفال واللعب معهم والخروج معاً للنزهة أيام العطلة الأسبوعية، يختلف كثيراً عندما تغيب الأم ليتركّز على الانضباط وأداء دور «شرطي البيت» في الوقت الذي يكون الأطفال بحاجة إلى المواساة ريثما يتسنّى لهم تجاوز الفاجعة والتعوّد على الوضع الجديد.
عند الفاجعة.. التعقّل أولاً ثم التصرّف
يروي سايمون فالنتاين (39 سنة)، وهو من كيمبريدج، أنه لقيَ عَوناً لا يُقدّر بثمن من أراملَ ينتمينَ إلى المؤسسة على أثر فقده زوجته «كارين» في فبراير (شباط) 2009 التي أصيبت بسرطان غير قابل للعلاج في البنكرياس، وكان عمرُ ابنهما، هنري، يومها أربعة أشهر فقط وكانت ابنتهما، أليسيا، في الخامسة.
وقد توفّيت الأم في منزل الأسرة بعد 18 شهراً من اكتشاف إصابتها بالمرض. ويقول سايمون إن الصغيرة أليسيا استوعبت أن والدتها قد رحلت إلا أن الطفل هنري لا يزال يسأل متى ستعود، وخصوصاً عندما يحتفلون بذكرى ميلادها. غيرَ أن الأسرة تجد عزاءَها في التعاون الذي يُبديه الجيران في كل وقت.
وتقول لينسي بلاك إن لدى المؤسسة تصوّراً حول كيفية تصرّف الأُسَر المنكوبة حيال مُصابها، لكنه ليس بإمكان المرء التعبيرُ عن المشاعر المُختلطة التي تعتمل بداخله للأصدقاء المُقرّبين أو لأسرة الشريك المفقود، ومنها مثلاً أنه ربّما يشعر بالغضب لأن الشريك تركه يتحمّل الأعباء وحيداً، وأنه قد يكون مُشوّشاً وهو يفكّر كيف سيتصرّف مع الأولاد، أو يكون بحاجة إلى شخص يُفضي إليه بمكنوناته.
ويتذكّر سايمون فالنتاين أنه لقيَ ردودَ أفعال غريبة من جانب أشخاص لم يكونوا يعرفون ماذا يقولون له أو ماذا يفعلون وقتَ الفاجعة، ومن بين هؤلاء امرأة استقبلت النبأ بألمٍ شديد إلى درجة أنه كاد يعتذر لها عن وفاة زوجته، وأخرى قالت له ببلادة: آه، أنت الذي عندك زوجة.. فقاطعها: لا، لم يَعُدْ لي زوجة!.. وآخرون أحسّ بالحاجة إلى «حمايتهم» من سوء ما عنده من أخبار.
وتروي لينسي بلاك أنها واجهت مواقفَ مثيرة للضحك والشفقة معاً من رجالٍ سعَوا إلى إقامة علاقات جديدة بدعوى تخفيف مُعاناتهم، غيرَ عابئين باحتياجات الأبناء ولا بمشاعرهم عندما يجدون امرأة غير أمهم تُفرَضُ عليهم في منزل الأسرة. جاء في تقرير لـ «مؤسسة رعاية الأطفال المنكوبين» أن 20 ألف طفل يُفقدون أحد الوالدّين كل سنة، وتشير التقديرات الرسمية إلى أنه يوجد 36 ألف رجُل أرمَل في بريطانيا. ولأن الإحصاءات تشمل الزيجات المُسجّلة رسمياً فقط، من الصعب تقدير أعداد الآباء والأمهات الذين يُربّون أطفالهم بعدَ فَقد الشريك.
ويزيد من صعوبة تقبّل الأزواج الأرامل للوضع الجديد بعد وفاة زوجاتهم أنهم لا يتحاورون معهنّ ولا يُشاركونهنّ في مواجهة الأعباء الأسرية، وبالتالي لا يعرفون كيف يتصرّفون عندما يصبحون وحيدين مع الأولاد.
كيف السبيل إلى المساعدة؟
- اعربْ عن الأسف على الأقلّ عندما لا تجد عباراتٍ مناسبة، ولا تُطلق الكلمات جُزافاً.
- لا تفترض أن المفجوع بحاجة لتذكيره بقيمة الشخص العزيز الذي فقدَه.
- لا تبالغ في التعاطُف، وقولُك: «أعرفُ ما تشعر به»، و «أنتَ قويّ» غير لائق.
- قدّم ما تستطيع من طعام خلال الأيام الأولى للفاجعة واسأل الأسرة عمّا تحتاج.
- لا تتصوّر أن الأسرة سوف تنسى بين عشيةٍ وضُحاها، وابقَ على اتصالٍ دائم بها.
- بادر بتقديم خدمة فعلية ولا تقُل «إذا احتجتُم إلى شيء أبلغوني».
ومهما تكن مهارات الرجُل في النهوض بهذه المسؤوليات، فما من شيء يصحّح الصورة النمَطية التي تتولّد في أذهان الأطفال عندما يصبح الأب مسؤولاً وحدَه عن كل صغيرة وكبيرة في المنزل، وغالباً ما تكون علامتُها الفارقة: الفَوضى، كل الفوضى، ولا شيء إلا الفَوضى.
الفوضى بكل مظاهرها تصبح السِّمَة الأبرزَ بعد رحيل الأم، وكأنّ الترتيب المنزلي والحِمْيات الغذائية الصحية والنظافة اختارت كلّها أن ترحلَ معها، فالصحون القذرة تنتشر في كل مكان، والزيّ المدرسي متّسخ دائماً، وبقعُ الطعام تعلو سطحَ المائدة منذ الصباح، وسياسة «تقبّل كل شيء كما هو» تلخّص السلوك الغالب على سكان البيت الذي أفَلَتْ نجمتُه.
تفاصيل هذه الصورة انتشرت في بريطانيا مؤخراً من خلال فيلم سينمائي عنوانه «عندما يعود الأولاد» أُخِذَتْ قصته من مذكرات سايمون كارّ، الكاتب السياسي لدى صحيفة «ذي إندبندنت» الذي توفّيت زوجته «سوزي» بمرض السرطان العام 1994 وباتَ عليه أن يُعنى بابنه منها ألكسَندر (5 سنوات) وابنه هوغو (11 سنة) من زوجته الأولى.
يتناول الفيلم كيفية تطوّر العلاقة بين الأب ووَلدَيه في أعقاب الموت المفاجئ لزَوجته ويُقدّم صورةً لما تؤول إليه أوضاع آلاف الأزواج والزوحات الشباب كل سنة عندما يقبض ملاك الموت حياةَ أحد الشريكَين وتترتب على الآخر مَهامّ تربية الأولاد وحدَه.
تقول لينسي بلاك، من مؤسّسة «واي» المعنية بشؤون الأُسَر المَنكوبة، إن الآباء الشباب غالباً ما يبحثون عن هيئة توفّر لهم الدعمَ العمَلي والمَعنوي خارج النطاق المباشر للأسرة، وإن الرجل في معظم الحالات لا يفقد زوجة وإنما أفضل صديقة له والشخص الوحيد الذي يكون قد أودع ثقتَه الكاملة به.
وتشير لينسي بلاك إلى أن نسبة النساء اللواتي يترمّلنَ تزيد على نسبة الرجال بشكل عام، وأن 15 % من أعضاء مؤسسة «واي» من الرجال الذين يَبدون أحوجَ إلى المشورة والنصائح العملية حول كيفية تصريف الأمور اليومية بالتفصيل، إلى درجة السؤال متى ينبغي أخذ الطفل إلى الحمّام لقضاء حاجته.
وتبيّن لينسي إن الدورَ التقليدي للزوج في وجود زوجته، مثل مصادقة الأطفال واللعب معهم والخروج معاً للنزهة أيام العطلة الأسبوعية، يختلف كثيراً عندما تغيب الأم ليتركّز على الانضباط وأداء دور «شرطي البيت» في الوقت الذي يكون الأطفال بحاجة إلى المواساة ريثما يتسنّى لهم تجاوز الفاجعة والتعوّد على الوضع الجديد.
عند الفاجعة.. التعقّل أولاً ثم التصرّف
يروي سايمون فالنتاين (39 سنة)، وهو من كيمبريدج، أنه لقيَ عَوناً لا يُقدّر بثمن من أراملَ ينتمينَ إلى المؤسسة على أثر فقده زوجته «كارين» في فبراير (شباط) 2009 التي أصيبت بسرطان غير قابل للعلاج في البنكرياس، وكان عمرُ ابنهما، هنري، يومها أربعة أشهر فقط وكانت ابنتهما، أليسيا، في الخامسة.
وقد توفّيت الأم في منزل الأسرة بعد 18 شهراً من اكتشاف إصابتها بالمرض. ويقول سايمون إن الصغيرة أليسيا استوعبت أن والدتها قد رحلت إلا أن الطفل هنري لا يزال يسأل متى ستعود، وخصوصاً عندما يحتفلون بذكرى ميلادها. غيرَ أن الأسرة تجد عزاءَها في التعاون الذي يُبديه الجيران في كل وقت.
وتقول لينسي بلاك إن لدى المؤسسة تصوّراً حول كيفية تصرّف الأُسَر المنكوبة حيال مُصابها، لكنه ليس بإمكان المرء التعبيرُ عن المشاعر المُختلطة التي تعتمل بداخله للأصدقاء المُقرّبين أو لأسرة الشريك المفقود، ومنها مثلاً أنه ربّما يشعر بالغضب لأن الشريك تركه يتحمّل الأعباء وحيداً، وأنه قد يكون مُشوّشاً وهو يفكّر كيف سيتصرّف مع الأولاد، أو يكون بحاجة إلى شخص يُفضي إليه بمكنوناته.
ويتذكّر سايمون فالنتاين أنه لقيَ ردودَ أفعال غريبة من جانب أشخاص لم يكونوا يعرفون ماذا يقولون له أو ماذا يفعلون وقتَ الفاجعة، ومن بين هؤلاء امرأة استقبلت النبأ بألمٍ شديد إلى درجة أنه كاد يعتذر لها عن وفاة زوجته، وأخرى قالت له ببلادة: آه، أنت الذي عندك زوجة.. فقاطعها: لا، لم يَعُدْ لي زوجة!.. وآخرون أحسّ بالحاجة إلى «حمايتهم» من سوء ما عنده من أخبار.
وتروي لينسي بلاك أنها واجهت مواقفَ مثيرة للضحك والشفقة معاً من رجالٍ سعَوا إلى إقامة علاقات جديدة بدعوى تخفيف مُعاناتهم، غيرَ عابئين باحتياجات الأبناء ولا بمشاعرهم عندما يجدون امرأة غير أمهم تُفرَضُ عليهم في منزل الأسرة. جاء في تقرير لـ «مؤسسة رعاية الأطفال المنكوبين» أن 20 ألف طفل يُفقدون أحد الوالدّين كل سنة، وتشير التقديرات الرسمية إلى أنه يوجد 36 ألف رجُل أرمَل في بريطانيا. ولأن الإحصاءات تشمل الزيجات المُسجّلة رسمياً فقط، من الصعب تقدير أعداد الآباء والأمهات الذين يُربّون أطفالهم بعدَ فَقد الشريك.
ويزيد من صعوبة تقبّل الأزواج الأرامل للوضع الجديد بعد وفاة زوجاتهم أنهم لا يتحاورون معهنّ ولا يُشاركونهنّ في مواجهة الأعباء الأسرية، وبالتالي لا يعرفون كيف يتصرّفون عندما يصبحون وحيدين مع الأولاد.
كيف السبيل إلى المساعدة؟
- اعربْ عن الأسف على الأقلّ عندما لا تجد عباراتٍ مناسبة، ولا تُطلق الكلمات جُزافاً.
- لا تفترض أن المفجوع بحاجة لتذكيره بقيمة الشخص العزيز الذي فقدَه.
- لا تبالغ في التعاطُف، وقولُك: «أعرفُ ما تشعر به»، و «أنتَ قويّ» غير لائق.
- قدّم ما تستطيع من طعام خلال الأيام الأولى للفاجعة واسأل الأسرة عمّا تحتاج.
- لا تتصوّر أن الأسرة سوف تنسى بين عشيةٍ وضُحاها، وابقَ على اتصالٍ دائم بها.
- بادر بتقديم خدمة فعلية ولا تقُل «إذا احتجتُم إلى شيء أبلغوني».