الطلاق.. حل أم مشكلة؟!

لم تكن فاتن لتدرك أن شريك العمر الذي تتهيأ للاحتفال معه في ليلة العمر، مجرد شاب يعاني من اضطرابات نفسية وأخرى سيكلوجية تقول له: أنت امرأة ولست رجلا!
فاتن ليست الوحيدة التي تعرضت تجربتها مع الزواج إلى انتكاسة غيرت مجرى حياتها وفكرتها عن الزواج.. اختلفت الأسباب والمبررات لكن النتيجة بقيت واحدة وهي «الطلاق»!

تؤكد دراسة ميدانية حول الأسباب الاجتماعية والنفسية للطلاق في الكويت مع مطلع الألفية الثالثة، أن تزايد معدلات الطلاق تقف وراءه عدة أسباب، من أبرزها الأسباب الصحية مثل شرب الخمر وإدمان المخدرات، والعقم والشذوذ والعجز الجنسي، والأمراض الجلدية، وغياب النظافة العامة، إلى جانب الأسباب الاجتماعية التي تبرز عدم احترام الشريك وإهمال المسؤولية الأسرية، استخدام العنف اللفظي والبدني، فضلاً عن المؤثرات التي تفرزها العوامل الدينية كالمعاشرة المحرمة، والتفريق بين الزوجات في المعاملة والهجر غير المبرر، والخيانة الزوجية.
كما تبين الدراسة أن من بين الأسباب الواقعية للطلاق تلك المتعلقة بالجوانب النفسية كالشك والغيرة، التسلط والعناد، بالإضافة إلى الأسباب الشخصية التي تبلورها مظاهر كضعف الشخصية، والتردد، ودوام الشكوى، وتقلب المزاج المرتبط بضعف لغة التفاهم.
وتخلص الدراسة التي أجراها ثلاثة من الأساتذة الجامعيين هم د.عبدالوهاب الظفيري ود.عبداللطيف محمد خليفة، ود.حسني حمدي، إلى أن ظاهرة الطلاق تسير في اتجاه الارتفاع، وأنها تنتشر بين فئات الشباب من عمر 20-34 سنة، خاصة في السنوات الأولى للزواج، وهو ما تعتبره الدراسة شبه طبيعي استنادا إلى ما تتطلبه العلاقة الزوجية من تفاهم وتجانس بين شخصية المتزوجين، كما أنها حالة انتقال من حياة العزوبية إلى حالات الزواج وارتباطاتها، ومتطلباتها والتزاماتها الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.
وتظهر الدارسة أن معدلات الطلاق تتزايد بين حمله الشهادات الثانوية، وأقل مقارنة بحملة الشهادات الأعلى، لافتةً إلى أن المدة الزمنية تلعب دورا حاسما في استمرار الحياة الزوجية، فمن الملاحظ أنه كلما استمر الزوجان في حياة الزوجية وتخطيا معا السنوات الأولى فإن فرصة استمرارهما تكون كبيرة، ولعل هذا يفسر حاجتهما لزيادة التفاهم بين الشريكين، وكذلك التعود على متطلبات المرحلة، وزيادة درجة التكيف مع الأوضاع الجديدة، وهذا ما يعني أن أغلب حالات الطلاق تحدث نظرا لقلة الخبرات الحياتية والتسرع والغضب وعدة القدرة على استيعاب وفهم الأوضاع الحياتية.
وتوضح الدارسة أن لعامل الأبناء دورا هاما في استقرار الأسرة، فوجودهم يدفع قطبي المعادلة إلى التنازل والتضحية من أجل صغارهم، وإعطاء الحياة الزوجية فرصة أكبر، وهذا بدوره يعطي الحياة الزوجية زخما وظيفيا وفعالية أكبر للاستمرار وتناسي المشاكل الصغيرة.
وبالرغم من التأثير الواضح للثقافة والتعليم في استمرار أو عدم استمرار الحياة الزوجية، هذا ما تقوله الدراسة: إلا أن العوامل الاجتماعية لها الكلمة الفيصل في عمليتي الزواج والطلاق، فالسلسلة الاجتماعية ترسم طبيعة العلاقات وعمقها، كما تبين معطيات الدراسة أن للعامل الاقتصادي دورا مهما في حياة الأسرة، كما أن له دورا بارزا في تقليل طبيعة التحديات التي تواجه الأسرة في الكويت سواء من الجانب الإسكاني، أو التعليمي، أو التربوي.
وتشير الدراسة بما لا يدع مجالات للشك إلى أن للتنشئة الاجتماعية السابقة للزوجين أهمية كبيرة في استقرار الحياة الزوجية وملاحقة المشاكل الطارئة، والتدخل في الوقت المناسب لإنقاذ الحياة الزوجية، وهذا يؤكد أهمية الاستقرار العاطفي لدى الزوجين، وتقديس دور الأسرة في حياتهما، وما يوفره الجو العائلي من إشباع نفسي واطمئنان عاطفي، وعلى ذلك فإن الأسر المتصدعة تورث أسراً متصدعة والعكس صحيح في أغلب الأحيان، مبينة أن مساحة التفاهم بين الأزواج لها دور هام في رسم جو المحبة والتفاهم في الحياة الزوجية.
وتقر الدراسة كذلك أن المجتمع الكويتي بصفاته التقليدية يفرض أن تكون أنشطة الرجال مختلفة عن أنشطة النساء، مثل الفعاليات الرياضية، والدينية، والديوانية، والمقاهي والأنشطة الاجتماعية الأخرى، كالرحلات الخلوية والسفر، وهذا بدوره يعمل على تقليل فرص اللقاء بين الأزواج والأبناء، ومتابعة الحياة اليومية لجميع أفراد الأسرة، ومباشرة التدخل عند حدوث مشكلة، وممارسة السلطة الضابطة في الوقت المناسب، وزيادة فرص التفاهم في المواقف المختلفة.
وتلفت الدراسة كذلك إلى أن حالات السخط وعدم الرضا عن سير الحياة الزوجية أكثر وضوحا عند الإناث مقارنة بحالات ودرجة وجودها عند الذكور، ولعل هذا يشير إلى حقيقة أن الأدوار والحقوق الممنوحة للذكور أكبر بكثير مما هو متوافر بالنسبة للإناث، من حيث الاختيار والموافقة على الزواج، وتحديد مستوى المعيشة ومكان السكن، وعدد الأبناء والدراسة.
وتكرس معطيات الدراسة أهمية جانب الشخصية والثقافة العامة في اختيار شريك الحياة، مما يستوجب خلق آلية تسمح لكلا الطرفين بمساحة كافية لاكتشاف خصائص الشخصية التي سيقترن بها، خاصة فيما يتعلق بالإناث، لأنه طبقا للأعراف الاجتماعية السائدة، فإن فرصة الرجل أكبر في تحديد من يريد ويسمح له بصورة أكبر للسؤال والتمحيص، وهذا ما قد لا يتوافر للأنثى في كثير من الأحوال، موضحةً -الدراسة- أنه بالرغم من انتشار التعليم في المجتمع الكويتي، إلا أنه لا تتوافر لدى أفراد المجتمع ثقافة كافية للتعامل مع هذه المسائل بصورة عصرية، كما أن نصيب المؤسسات الاجتماعية والمؤسسات الأخرى مازال ضعيفاً في توفير قواعد البيانات اللازمة أو الاستشارات للأفراد الذين يمرون وأسرهم بمشاكل تهدد استمرار حياتهم الأسرية، وأن الأغلبية العظمى منهم مازال يلجأ لأشخاص غير متخصصين، وغير مؤهلين للتدخل في مثل هذه الحالات، كما أنه مازالت فكرة زيارة المختص في شؤون الأسرة، أو المختص النفسي غير واردة لدى من هم بحاجة ماسة لها، وإن تمت فإنما تتم في أضيق الحدود.
توصيات بنشر الثقافة الزوجية
توصي الدراسة بضرورة الاهتمام بالتوعية ونشر الثقافة الزواجية ومعرفة متطلبات الحياة الزوجية، وإعداد النشء بصورة جيدة، من حيث توضيح الأدوار والحقوق والواجبات، وحسن المعاملة، وضبط الانفعالات وعدم التهور والتريث في اتخاذ القرارات، والمشاركة فيها، وزيادة فرص التفاهم بين الزوجين، لافتةً إلى أهمية دور الأسرة وأهميتها في خلق جو نفسي سليم، لما لذلك من أهمية في بناء شخصية الفرد، وتقوية انتمائه للوطن الذي يعيش فيه وللجماعة والأسرة، وأنها الممول الأول للإشباعات العاطفية والاستقرار النفسي، ودفع الأفراد إلى زيادة الاهتمام بدور تكوين الأسرة، وأهمية ذلك للأجيال القادمة من الأبناء.
كما تركز على حتمية تفعيل دور المؤسسات الاجتماعية والنفسية والقانونية لتقدم المساندة العلمية سواء للأسر السليمة أو الأسر التي تمر بأزمات تهدد استمرارها، وإعداد وحدات التدخل السريع لتتولى المشاركة عند الطلب، سواء من الناحية القانونية، أو الاجتماعية، أو النفسية، مقررةً أن الانفتاح الكبير الذي تعيشه الكويت اليوم لا يتفق والأساليب المعمول بها، سواء في عملية اختيار شريك الحياة، أو في إنهاء هذه الزيجات، إذا لابد من توافر آلية تعطي فرصاً متكافئة للزوجين بالتعرف داخل حدود الأسرة وتحت إشرافها، مثل الزيارات العائلية، أو الأنشطة الخارجية المشتركة، وتوفير قواعد صحيحة للبيانات عن الزوجين، قبل أن تتم عملية الزواج بصورة عاطفية تتسم بالعشوائية أحيانا، مثل وجود أمراض أو مشكلات نفسية أو قانونية.
وترى الدراسة أن الدولة عملت وبصورة متميزة على تدعيم الحياة الزوجية من خلال تقديمها للدعم المادي، الدعم الإسكاني، الدعم الصحي، التعليمي، إلا أنه يجب ألا يكون هذا الدعم أداة للاستغلال السلبي بدلا من الاستثمار الإيجابي لدى ضعاف النفوس، ويجب أن تتوفر لها قواعد تحد من سوء استغلالها بالصورة الصحيحة، مبرزةً فائدة مراجعة التشريعات الخاصة بعملية الطلاق، إذ إنها بلغت درجة من اليسر والسهولة حتى غدت إحدى العوامل المساهمة في ارتفاع معدلات ونسب الطلاق، وهذه الوضعية قد تؤثر على الفرص المطلوب توفرها للأزواج للتراجع والتريث واتخاذ القرار، مثل وضع التشريعات التأهيلية وتوضيح الحقوق والواجبات التي تترتب على عملية الطلاق، وتأثير ذلك على الزوجين والأبناء من الناحية الاقتصادية والنفسية والاجتماعية، على المدى القصير والبعيد.
ونبهت الدراسة إلى ضرورة مساعدة الزوجين على التوافق والتفاهم بعد الطلاق، لما لذلك من آثار إيجابية على الأطفال في الأسر المطلقة، وكذلك مساعدة أبناء المطلقين على النجاح والتوافق بعد حدوث الطلاق، من خلال عدة مسائل منها برامج التدخل الوقائي، والإرشاد الجماعي للأطفال سواء في حالة انفصال الوالدين أو طلاقهما، والعلاج باللعب باعتباره وسيلة لمساعدتهم على التخفيف من معاناتهم ومشكلاتهم.

No comments

Powered by Blogger.