قد يفاجأ مستخدم الانترنت قريبا بوجود رسالة تحمل في طياتها تهديدا بقطع اتصاله مع الشبكة في حال عدم توفيره معلومات معينة تتناول مجالا مخصصا، وذلك لوجود نقص في هذا النوع من المعلومات داخل الشبكة. ولعل من سيتسلمون هذا النوع من الرسائل سيتصورون انها نوع من المزاح الثقيل في بادئ الامر، لكنهم سرعان ما سيدركون ان هذه الرسالة رسمية ولابد من الامتثال لاوامرها، فهي بتوقيع (الدماغ العالمي).
لذلك تدور الان تساؤلات كثيرة حول ماهية الدماغ العالمي، هل يتوجب علينا ان نرحب بظهوره ام علينا ان نخشاه؟ واذا كان مشروع الدماغ العالمي يعبر عن قمة الذكاء الاصطناعي، فهل سيتم تحريرنا (اي تحرير القيود المفروضة على المعلومات) من قبل هذا الذكاء العالمي المقبل، ام انه سيستغلنا بإجحاف؟ ومن المتضرورن، ومن المستفيدون من ظهوره؟
يقول فرانسيس هايلن، باحث في الذكاء الاصطناعي بجامعة فري في بروكسل: إن شبكة الانترنت ستصبح اكثر ذكاء، وإنها في نهاية المطاف ستشكل المركز العصبي للمنظومة العالمية التي لا يكون فيها الانسان سوى جزء واحد صغير. ويرى اننا يجب ان نتخطى مرحلة جمع المعلومات الى مرحلة تكون فيها الشبكة قادرة على تنظيم هذه المعلومات لتلائم احتياجات كل مستخدم، فمحركات البحث (ذات العقول البسيطة) والمواقع الالكترونية الموضوعة معا من قبل اناس لا يعلمون شيئا عن احتياجاتك يمكن ان تجعل الشبكة مكانا موحشا للبحث عن المعلومات التي تريدها.
وعلى ما يبدو فإن مشروع منظومة المعرفة الموزعة، في مختبر لوس ألاموس بولاية نيومكسيكو الاميركية، سيغير كل ذلك، فقد بنى يوهان بولين، وهو طالب سابق لدى هايلين، خادما شبكيا أسماه (بي سي دبليو)، وهو قادر على إعادة بناء الوصلات بين صفحاته باستمرار لتلائم احتياجات المستخدم، وبينما تكون الروابط «هايبر لينكس» في مواقع الشبكة التقليدية مثبتة من قبل مصمم الصفحات فإن خادم الشبكة الجديد هو أذكى من ذلك، إذ يضع روابط جديدة متى ما ظن ان ذلك العمل سيفتح مسارا من المحتمل ان يتصفحه مستخدم الشبكة، كما يقوم بغلق الوصلات التي تصبح غير مستخدمة، والنتيجة الحصول على منظومة متحركة تقوم بتقوية واضعاف الوصلات بين الصفحات المختلفة، وتلك هي الخطوة الاولى نحو الدماغ العالمي.
دكتاتور رقمي
يقول هايلين: «لم يتبق الكثير لانجاز هذا العمل، فلدينا البيانات واللوغاريتمات جاهزة».
ويتوقع هايلين ان يحدث كل هذا خلال عامين، لكن المشكلة الرئيسة هي في صعوبة إقناع تلك القوى التي تقف خلف الانترنت لتبني البروتوكولات المشتركة التي ستحتاج إليها.
ويرى العلماء ان ذكاء الدماغ العالمي قد يأتي من تجميع ذكاءات محدودة كل منها له اختصاص معين، وذلك يجعلها كما يقول نورمان جونسون مدير مشروع الذكاء المتبادل في لوس ألاموس، مساوية تماما للذكاء البشري.
ويرى جونسون أن الانسان يستطيع التصرف بذكاء خلال العديد من الظروف والاحداث، لكن لو وضعت كل تلك القابليات في شخص واحد فإنها قد لا تعمل.
وهو يعتقد بانه عند توزيع أنواع مختلفة من قابليات الالات عبر شبكات مختلة فقد يصبح المجموع شيئا ما شبيها بمجموع كل الذكاء البشري. ويمضي البعض الى بعد من ذلك، فهناك من يرى ان الذكاء ذا التحوير الذاتي للدماغ العالمي يمكن ان يجتاز قابليتنا لفهمه وربما يكون قد اجتازها فعلا. ويقول دانييل دينيت مدير مركز دراسات المعرفة في جامعة توفت بمدينة ميدفورد بولاية ماساشوستس: «إن شبكة الاتصالات العالمية قادرة فعلا على السلوك المعقد الذي يتحدى جهود الخبراء لفهمه، ومن المؤكد أن ما لا تستطيع فهمه لا تستطيع السيطرة عليه». ولذلك فهو يحذرنا بقوله: «لقد جعلنا انفسنا فعلا معتمدين الى حد كبير على الشبكة، بحيث لا نطيق عدم منحها الطاقة والصيانة التي تحتاج إليها».
الدماغ العالمي المتسع قد يصبح بما يكفي لتحديد الفجوات في المعلومات التي يحتفظ بها، وستتم برمجته للبحث عن اناس قادرين على سد هذه الفجوات في المعلومات، ومن ثم سيطلب منهم تزويده بتلك المعلومات التي يبحث عنها.