الفيلسوف والشاعر والمسرحي الألماني فريدريش شيللر

ما إن تقرأ مسرح فريدريش شيللر الذي تصادف الذكرى الخمسون والمئتان على ولادته حتى تدرك أنك لست مع فيلسوف ومسرحي وشاعر متبجِّح، بل أنت مع أسطورة أدبية مارست النقد على كهنة الاستبداد وبثقة كبيرة بالعقل، الذي هو أكثر من أداة للمعرفة والثورة، عقل لا يعترف بأي تقليد أو أي سلطةٍ حتى لا تتحوَّل إلى وثن.
ما إن تقرأ مسرح فريدريش شيللر الذي تصادف الذكرى الخمسون والمئتان على ولادته حتى تدرك أنك لست مع فيلسوف ومسرحي وشاعر متبجِّح، بل أنت مع أسطورة أدبية مارست النقد على كهنة الاستبداد وبثقة كبيرة بالعقل، الذي هو أكثر من أداة للمعرفة والثورة، عقل لا يعترف بأي تقليد أو أي سلطةٍ حتى لا تتحوَّل إلى وثن.

شيللر في مسرحه سعى إلى نصرة الحرية على الغريزة، فهو من أكثر المسرحيين الذين وقَّروا العقل وبمنتهى الورع، ربَّما يكون هناك تأثير لوالدته عليه، فقد كانت امرأة متديِّنة، أسَّست عنده حبَّ الدين الذي يحضُّ على فعل الخير، إذ كان إيمانه بالرب مطلقاً أو يكاد، هكذا في فلسفته، فلم يكن يحتاج كغيره من المفكرين الذين اشتغلوا بالمسائل العقلية في إثبات الوجود أو العدم، إلى أن يطلب من الإله أن يتدَّخل كل لحظة ليقدِّم له معجزة.

إلى جانب إيمانه هذا فقد كان شيللر لا يرتوي من الحرية مهما شرب منها إذا لم تثمر عن ثورة ضد الاستبداد، فقد أصدر الدوق «كارل أويجين» قراراً بمنع تداول كتابات فريدريش شيللر لأنَّها تدعو إلى الحرية، وتحرِّض على مقاومة الطغاة والمستبدين، فيهرب على إثر ذلك إلى «مانهايم»، وهناك يكتب مسرحيته «فييسكو»، والتي عرضت في العام 1784، وتوالت بعد ذلك مسرحياته، فكتب «دسيسة وحب». ثمَّ وجد في «فايمار» المكان الذي كان يسعى إليه ضالته، وفيها استطاع أن ينسج صداقات أدبية ويقيم علاقات مع نبلاء الأسرة الملكية. ويكتب أهمَّ قصائده التي لحَّنها بيتهوفن في سيمفونيته الناقصة والمسمَّاة «إلى السعادة».

في سنة 1794 يتعرّف شيللر على الشاعر (يوهان فولففانغ غوته 1749-1832)، وتقوم بينهما صداقة قوية كانت سبباً في نجاحات شيللر، فيكتب مسرحياته: دون كارلوس 1788، فالنشتاين 1789 عن حياة أحد القادة الألمان في حرب الثلاثين عاماً، ماريا ستيوارت 1800 الملكة التي تحكم بالإعدام على أختها ملكة إنجلترا إليزابيث، توراندوت 1801، عروس مسينا 1803، ومسرحية «فيلهيلم تيل» 1805، وهي عن نضال الشعب السويسري للحصول على الحرية بزعامة الثائر تيل، وهذه المسرحية ‏ كان منعَ تمثيلها وعرضها الزعيم النازي «أدولف هتلر» لأنَّها تساعد في التحريض على قتله، حسب قراءات النقاد الأمنيين لحزبه.

وكان شيللر قد كتب أولى مسرحياته «اللصوص» في العام 1777، وقدِّمت لأوِّل مرَّة في العام 1782 في مانهايم، وحقّقت نجاحاً كبيراً حين عرضها، وحوَّلت شيللر ليكون من أهم الشخصيات الأدبية في ألمانيا، ثمَّ كتب: دسيسة وحب 1783، مؤامرة فييسكو في جنوة 1784، دون كارلوس 1788، فالنشتاين 3 أجزاء 1799.

ولعلَّ مسرحيته «حب ودسيسة» من أكثر المسرحيات التي تمَّت ترجمتها إلى اللغة العربية لتقدَّم على خشبات المسارح، فلقد كان أوَّل من ترجمها نيقولا فياض ونجيب طراد سنة 1900م، لكن عن الفرنسية وليس عن الألمانية، وقاما بتمثيلها في القنصلية الروسية ببيروت. ثمَّ ترجمها العام 1907 طانيوس عبده، وفي العام 1936 ترجمها حسن صادق وصدرت عن مطبعة الاتحاد في مصر، وكان آخر من ترجمها عن الألمانية الدكتور عبدالرحمن بدوي سنة 1994، إنَّما بعنوان «المؤامرة والحبّ»، وقد صدرت ضمن منشورات «المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب» في الكويت. أما ثاني مسرحيات شيللر التي لاقت اهتماماً عربياً وتمَّت ترجمتها وتمثيلها فهي مسرحية «اللصوص» التي مُثّلت أوَّل مرة في القاهرة سنة 1916، ثمَّ ترجمها بعد ذلك عبده حسن الزيات وصدرت في القاهرة العام 1928، أعقبتها ترجمة ثالثة لسمير عبده صدرت في بيروت العام 1962، وفي العام 1981 أنجز الدكتور عبدالرحمن بدوي ترجمة رابعة للمسرحية، وصدرت في الكويت ضمن سلسلة من المسرح العالمي.
مسرح فريدريش شيللر كما فلسفته ضد الخبث البشري، خبث الكبار الذين يحتكرون المال والسلطة، وضد أن يبعثر الصغار قوَّتهم، فيبددوها في التفرُّج على اللصوص بدل مقاومتهم.