قصة المسن والدجاجة وحبة القمح
محمد الرميحي
يحكى أن رجلاً أصابه مسّ من عُتهٍ صعب، فاقتنع أنه حبة قمح، وبات يصيح خوفا من أن تأكله الدجاجة، فلما أعيت من حوله كل محاولات إقناعه، ذهبوا به إلى نطاسي، وظن هذا أنه قد شفاه، فأخذ يردد: أنت رجل ولست حبة قمح، وقال الرجل: أنا مقتنع، ولكن من يقنع الدجاجة؟!
يبدو أننا في العمل السياسي في هذا البلد نحتاج إلى من يقنع الدجاجة بأن الذي أمامها هو رجل وليس حبة قمح.
قيل الكثير على لسان كل مسؤول بأن الديمقراطية في الكويت وجدت لتبقى، وإنها هي الخيار الوحيد للكويت من أجل أن تزدهر ويقبض أهلها وممثلوها على ناصية قرارهم في هذا العالم المتلاطم بالاضطراب. إلا أن البعض يعتقد أن كل رأي إنما يريد الإطاحة بالديمقراطية، وهو معادٍ للدستور، إلى آخر ما في قاموس التحشيد. قيل هذا بعد التحرير، فإذا بالأمر يختلف، وقيل هذا في أكثر من مرحلة حرجة مرّ بها الوطن، بينما الديمقراطية باقية والدستور باق، فلم يقتنع البعض على أساس إقناع الدجاجة أولاً!
الفرق فيما يقال ويطرح هو أن الديمقراطية بآلياتها، والدستور بمذكرته التفسيرية، شيء والممارسة شيء آخر. والناس تضجّ من هذه الممارسة التي تتمسك بالجانبي والثانوي، وتهمل الكبير والمهم.. الناس تضجّ من هذا التلاسن المملّ وهذه الشخصانية المتأصلة إلى درجة تجاوز الأهم والأخذ بما هو غير مهمّ من أولويات الشعب.
دعوني أسرد بعض المهمّ: على سبيل المثال، الناس تتوق إلى خدمات صحية متطورة وإدارة صحية حديثة، وتنزعج إذا أصبح الأمر شللياً بتقديم هذا الشخص أو تأخير ذاك لأسباب ليس لها علاقة بالمنّة بل بإرضاء المحازبين. الناس تهتم بترقية التعليم، فهو الطريق الذي لا طريق غيره من أجل إعداد الشباب للمستقبل، وكلما خطا التعليم خطوة إلى الأمام ضغط على مفاصله سياسيون ليتراجع، فالقرارت التعليمية الأساس هي في المناهج والإدارة، وليس في «هل نعمل مثلا في شهر رمضان أم نعطل؟»، وهذا قرار ليس للإخوة ممثلي الشعب رأيٌ فيه، وإنما يُترك للأجهزة القادرة على الحكم على أهمية العملية التعليمية ومواءمتها، وإذا كان رمضان يصادف هذه المرة آخر الصيف فكيف لو جاء في وسط الشتاء؟
الناس تضجّ مثلا من البيروقراطية التي وجدت لنفسها متنفسا من الخوف أو الانجذاب السياسي، حتى أصبح لكل مجموعة من الموظفين الكبار فئة سياسية تدافع عنها حقا وباطلا، إلى أن تفشت البيروقراطية في الجهاز الواحد، وتوزعت ولاءاتها شيعا وأحزابا، وضاعت حقوق المواطن الذي أصبح عليه أن يمر ببيت الأمة قبل أن يذهب إلى مجمع الوزارات لقضاء حاجة، فتعطّل العمل، لا بل انتكس. الناس تضج من الغلاء ولا أحد يأخذ برأي الاقتصاديين في أن أية خمسين دينارا -أكثر أو أقل- سوف ترفع نسبة التضخم في البلد.
من الملوم؟ ربما هناك أكثر من جهة ملومة، إلا أن الجهاز التنفيذي يسمع اللوم تلو اللوم عن حق -وربما عن باطل- في بعض الأوقات، أما إذا قررت جماعة من المواطنين أن تخاطب أولي الأمر في موضوع عام، كما حدث في الموضوع المسمى «وثيقة دواوين أهل الكويت» فإن الأمر يصبح اختراقا للديمقراطية وخيانة في ليل، بينما تكفل الديمقراطية أول ما تكفل، من ضمن أمور أخرى، حرية الناس في التعبير، مهما كان هذا التعبير، لكون شروطه مطبقة، وهي الشكل السلمي الذي يأخذه التعبير، كما أن روح الديمقراطية إنما تكمن في المحافظة على الحريات العامة، بل واحترامها وصيانتها، كما يقرر الدستور الكويتي بشكل واضح. وكان يمكن أن تؤخذ تلك الرسالة على أنها رسالة نصح، خاصة أن المجلس نفسه، وبمبادرة من بعض أعضائه، قرر عقد جلسة سرية «من أجل مناقشة سلوكيات بعض النواب، ومدى ملاءمتها للائحة الداخلية»، وهو اعتراف شجاع بأن الممارسة تحتاج إلى إعادة نظر من أجل الكويت استجابة للقول السامي لصاحب السمو في افتتاح المجلس الثاني عشر.
بقى أن نقنع الدجاجة، وفي ظني أنها لن تقتنع، إذ لايزال الرجل يرى نفسه حبة قمح!
Post a Comment